(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧))
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا) أي بينا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل شبه بين ، بعضه مفسرا وبعضه مبهما (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [٢٧] أي لكي يتعظوا.
(قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨))
قوله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال مؤكدة من الكتاب أو بدل منه أو نصب ب «يَتَذَكَّرُونَ» (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي غير ذي اختلاف فيه ولا تناقض ولكنه مستقيم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [٢٨] أي لكي يتقوا الشرك.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩))
(ضَرَبَ اللهُ) للكافرين (١)(مَثَلاً) أي شبها يعبد آلهة له (رَجُلاً) بدل من (مَثَلاً) ، أي بين رجلا (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي متنازعون لسوء أخلاقهم يأمره (٢) بعضهم بأمر وينهاه الآخر منه (٣) ، يقال تشاكس إذا اختلف وتنازع (وَرَجُلاً) أي وبين له أيضا رجلا (سَلَماً) أي خالصا (لِرَجُلٍ) واحد لا ينازعه أحد فيه ، وقرئ «سلما» بفتح اللام (٤) ، أي ذا سلامة من الشرك ، المعنى : أن الله ضرب مثلا عبدا بين موالي مخلتفين يتنازعون بالأمر والنهي وعبدا خالصا لرجل لا شركة له لأحد (هَلْ يَسْتَوِيانِ) في صفة العبودية والرجولية (مَثَلاً) وهو تمييز ميز بالواحد دون مثلين لإرادة الجنس ، والاستفهام للإنكار ، أي لا يستويان لأن الكافر كعبد له موال (٥) وهم آلهته اشتركوا فيه ، فعرضت لكل واحد منهم إليه حاجة في وقت واحد (٦) فهو متحير لا يدري أي مواليه يرضى ، والمؤمن كعبد له مولى واحد فهو قائم بصدد خدمته لا يتحير في إرضائه بخدمته (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي قولوا الحمد لله على تفضيل من اختاره لنفسه على من شغله بعبودية ما دونه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) من الكفار (لا يَعْلَمُونَ) [٢٩] أي عبادة رب واحد خير من عبادة آلهة شتى.
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))
قوله (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [٣٠] نزل حين قال كفار مكة نتربص بمحمد حتى يموت (٧) ، فقال تعالى إنك ستموت وإنهم سيموتون فلا شماتة بالموت ، وإنما سماهم «ميتين» لأن كل واحد يموت لا محالة فهم الآن في حساب الأموات (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) بعد البعث (تَخْتَصِمُونَ) [٣١] أي تتحاكمون وتتكلمون بحججكم الكافر مع المؤمن والظالم مع المظلوم ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم القيامة» (٨) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا يزال الخصومة بين الناس حتى الروح والجسد» (٩) ، فالاية محمولة على اختصام الجميع ولا يشكل بقوله تعالى (لا) تخصموا (لَدَيَ)(١٠) لأن في القيامة ساعات كثيرة وأحوالا مختلفة مرة يختصمون ومرة لا يختصمون (١١) ، وقيل : قوله تعالى (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ)(١٢)
__________________
(١) للكافرين ، ح ي : للكافر ، و.
(٢) يأمره ، و : يأمر ، ح ي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١٤٩.
(٣) منه ، ح ي : منهم ، و.
(٤) «سلما» : قرأ المكي والبصريان بألف بعد السين مع كسر اللام ، والباقون بحذف الألف وفتح اللام. البدور الزاهرة ، ٢٧٥.
(٥) موال ، ح و : موالي ، ي.
(٦) واحد ، وي : ـ ح.
(٧) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ١٥٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١٦١.
(٨) روى البخاري نحوه ، المظالم ، ١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ١٥.
(٩) انظر السمرقندي ، ٣ / ١٥٠. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها. قال صلىاللهعليهوسلم من كانت ... حتى الروح والجسد ، ح ي : ـ و.
(١٠) ق (٥٠) ، ٢٨.
(١١) قال صلىاللهعليهوسلم من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم القيامة وقال صلىاللهعليهوسلم لا يزال الخصومة بين الناس حتى الروح والجسد ، + و.
(١٢) ق (٥٠) ، ٢٨.