(نِعْمَةً مِنَّا) كعافية أو وسعة في الرزق (قالَ)(١) الكافر (إِنَّما أُوتِيتُهُ) أي الأنعام (عَلى عِلْمٍ) منه تعالى عندي ، إني مستحق لذلك أو على علم مني بالدعاء أو بوجوه المكاسب ولم يشكر الله تعالى (بَلْ هِيَ) أي تلك النعمة أو مقالته ، فذكر الضمير ثم أنثه حملا على المعنى أولا وعلى اللفظ آخرا ، ولأن الخبر لما كان مؤنثا جاز تأنيث المبتدأ وذلك الخبر (فِتْنَةٌ) أي بلية يبتلى بها العبد ليشكر أو يكفر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٤٩] كونها فتنة.
(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠))
(قَدْ قالَهَا) أي قال تلك المقالة وهي «انما أوتيته على علم عندي» (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم كقارون وفرعون ونمرود (فَما أَغْنى) أي لم ينفع (عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [٥٠] من الأموال والمعاصي.
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ) أي جزاء سيئات (ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي من (٢) كفار قريش (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي جزاؤها مثل ما أصاب الأمم المتقدمة (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) [٥١] أي (٣) فائتين من عذاب الله تعالى فقتل رؤساؤهم ببدر وقحطوا سبع سنين ، وبعد ذلك وسع الله عليهم الرزق ليعلموا (٤) أن الموسع والمضيق هو الله تعالى فأخبر تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يقتر على من يشاء ، يعني علموا ذلك فلم يؤمنوا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في البسط والقتر (لَآياتٍ) أي لعلامات لوحدانيتي (٥)(لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٥٢] أي يصدقون بتوحيدي.
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣))
قوله (قُلْ يا عِبادِيَ) بفتح الياء وسكونها (٦)(الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية نزل فيمن أسرف على نفسه بالكفر وكثرة المعاصي من القتل وغيره (٧) ، قيل : هو في شأن الوحشي قتل حمزة في كفره ثم ندم (٨) ، وقيل : في شأن جماعة المشركين الذين أصابوا ذنوبا عظاما وكانوا يخافون أن لا يغفر لهم لو آمنوا (٩) ، فدعاهم الله بهذه الآية إلى الإيمان ، أي يا عبادي المسرفين (عَلى أَنْفُسِهِمْ) بكثرة المعاصي (لا تَقْنَطُوا) أي لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) أي من مغفرته وقبول التوبة إذا تبتم (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) أي الكبائر وغيرها (١٠)(إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب عن الذنب (الرَّحِيمُ) [٥٣] لمن أطاع بالثواب ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : «أرجى آية في كتاب الله هذه الآية» (١١).
(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤))
(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) أي ارجعوا إليه عن الذنب تائبين (وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي أخلصوا العمل لوجهه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [٥٤] أي لا تمنعون عن العذاب إن لم تتوبوا قبل نزوله ، قيل : هذه نصيحة لإتمام التوبة وتحصيل المغفرة به (١٢).
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥))
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من القرآن (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) أي يفجأكم وقته
__________________
(١) أي ، + و.
(٢) من ، ح : ـ وي.
(٣) أي ، ح و : ـ ي.
(٤) ليعلموا ، وي : لتعلموا ، ح.
(٥) لوحدانيتي ، وي : بوحدانيتي ، ح.
(٦) «عبادي» : أسكن الياء البصريان والأخوان وخلف ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٧٧.
(٧) أخذ المصنف هذا الرأي عن السمرقندي ، ٣ / ١٥٤.
(٨) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٥٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٠٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ١٦٧.
(٩) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٥٥.
(١٠) وغيرها ، ح و : ـ ي.
(١١) انظر السمرقندي ، ٣ / ١٥٥.
(١٢) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.