والأرض من تكلم بها من المتقين أصاب خيرهما (١) ، وهو منازل الرحمة والمغفرة وهي لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله ، وبحمده واستغفر الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير ، يحيي ويميت (٢) ، وهو على كل شيء قدير ، قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) متصل بقوله (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، والمراد بآيات الله كلمات توحيده ورسوله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [٦٣] أي المغبونون من خير السموات والأرض.
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤))
قوله (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) نزل حين قال له المشركون استلم بعض آلهتنا ونؤمن بالهك (٣) ، فأمره الله أن يقوله إنكارا لقولهم ، وتنصب (أَفَغَيْرَ اللهِ) ب (تَأْمُرُونِّي) بنونين وبواحدة (٤) وتبدل منه (أَعْبُدُ) بدل اشتمال ، وقيل : «أفغير» منصوب بفعل محذوف يفسره (أَعْبُدُ) أو بنفسه و (تَأْمُرُونِّي) حال معترضة (٥) ، المعنى : أتضلوني فتأمروني بعبادة غير الله (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [٦٤] أي الجاحدون بالتوحيد.
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥))
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ) يا محمد (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الأنبياء ، أي إلى كل واحد منهم ، والموحى قوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) بالله فرضا كفرض المحال (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [٦٥] في الآخرة بسبب حبوط عملك وإن كنت كريما علي أو تكون من جملة الخاسرين إن مت على الردة ، ويجوز أن يكون الخطاب للنبي عليهالسلام ويريد به تنبيها على أمته ، لأن الله يعلم أنه صلىاللهعليهوسلم لا يشرك بالله شيئا ، واللام في (لَئِنْ) موطئة للقسم المحذوف وفي (لَيَحْبَطَنَّ) لام الجواب ، والحواب ساد مسد الجوابين ، جواب القسم والشرط.
(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦))
ثم رد ما أمروه به من استلام بعض آلهتهم بقوله (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) أي لا تعبد ما أمرك الكفار بعبادته بل الله أعبد ولا تعبد غيره ، والفاء زائدة ، وقيل : هي في جواب شرط محذوف أقيم المفعول مقامه (٦) ، تقديره : لا تعبد غير الله بل إن عبدت فاعبد الله (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [٦٦] له تعالى لتفضيل عليك.
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧))
ثم أشار إلى غاية غباوتهم وجهالتهم في شأن خالقهم العظيم بقوله (وَما قَدَرُوا اللهَ) أي ما عرفوه (حَقَّ قَدْرِهِ) أي حق معرفته (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً) الواو للحال ، أي الأرضون السبع (قَبْضَتُهُ) بالفتح ، أي مقبوضته (يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني في ملكه وتصرفه يتصرف فيها كيف يشاء بلا مزاحم مع سهولة ، أي هن بعظمتهن بالنسبة إلى قدرته ليست إلا قبضة واحدة وكذا الواو في (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ) أي مجموعات (بِيَمِينِهِ) أي بقدرته أو مفنيات بقسمه ، لأنه تعالى أقسم بعزته وجلاله أنه يفنيها ، وفيه تنبيه للناس على عظمته ليعرفوه حق معرفته ويعظموه حق عظمته ولا يصفوه كما وصفه اليهود والمشركون بنسبة الولد إليه والشريك (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [٦٧] أي نزه نفسه (٧) تنزيها وتعظم عما يصفون له مما لا يليق بذاته وصفاته ، قيل : فيه معنى التعجب (٨) ، أي ما أبعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاه عن إضافة الشريك إليه.
__________________
(١) لعله اختصره من الكشاف ، ٥ / ١٦٩.
(٢) يحيي ويميت ، ح : ـ وي.
(٣) نقله عن الكشاف ، ٥ / ١٦٩.
(٤) «تأمروني» : قرأ المدنيان بنون واحدة مكسورة مخففة وفتح الياء بعدها ، وابن كثير بنون واحدة مكسورة مشددة مع المد المشبع للساكنين ومع فتح الياء كذلك ، والبصريان والكوفيون كابن كثير إلا أنهم يسكنون الياء وابن عامر بنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة مخففتين مع إسكان الياء. البدور الزاهرة ، ٢٧٧.
(٥) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٥ / ١٦٩.
(٦) أخذ المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٧٠.
(٧) نفسه ، و : ح ي.
(٨) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ١٧١.