الإساءة ، قيل : وضع (أَحْسَنُ) موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع ، لأن من دفع بالأحسن هان عليه بما هو دونه (١)(فَإِذَا) هي للمفاجاة ، والفاء في جواب شرط محذوف و (الَّذِي) مبتدأ ، خبره (كَأَنَّهُ) ، أي إذا صنعت ذلك فاذا الرجل الذي كان (بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) من جهله صار (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) أي صديق (حَمِيمٌ) [٣٤] أي قريب ، المعنى : إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق القريب في محنته وخلوصه ، قيل : نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب ، وكان عدوا موذيا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فصار وليا صادقا (٢).
(وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥))
(وَما يُلَقَّاها) أي ما يعطي التي هي أحسن ، يعني هذه الخصلة الحسنى المقابلة بالإساءة لا يعطاها (٣)(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على أمر الله ونهيه (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ) أي ذو ثواب (عَظِيمٍ) [٣٥] وهو الجنة ، كرر (وَما يُلَقَّاها) باستثنائه لزيادة الترغيب.
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) أي إن يصرفك (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي نازغ بوسوسته عما وصيت به من الدفع بالإحسان الأساءة (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من شره ولا تطعه فهو يعصمك (إِنَّهُ) أي الله (هُوَ السَّمِيعُ) بالاستعاذة (الْعَلِيمُ) [٣٦] بوسوسة الشيطان فيدفعه عنك.
(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧))
(وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن علامات وحدانيته تعالى لمن يستدل عليها بصنعه تعالى (اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) فاعرفوه ربا لكم بذلك واعبدوه (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ) أي لا تعبدوها (وَلا) تسجدوا (لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) وأطيعوه (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [٣٧] بعبادتهما فلا تعبدوا غيره ولا تسجدوا ، والضمير في (خَلَقَهُنَّ) باعتبار الآيات أو بأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الإناث.
(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))
(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) أي تكبروا عن امتثال أمره في ترك السجود لغيره (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) أي الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ) أي يصلون لله (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [٣٨] أي لا يملون عن التسبيح والعبادة والذكر ، وهو محل السجدة عند أبي حنيفة رحمهالله ، لأنه تمام المعنى ، وتعبدون عند الشافعي رحمهالله لذكر لفظ السجدة قبلها.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) أي يابسة لأنبت فيها فذلت بفقده وفقد المطر (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) أي تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) أي علت لإرادة أن تنبت (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) بعد موتها ، أي بعد (٤) يبسها (لَمُحْيِ الْمَوْتى)(٥) للبعث في الآخرة (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٣٩] من الإبداء والإعادة.
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١))
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) أي يميلون في أدلتنا عن الحق بالتكذيب (لا يَخْفَوْنَ) أي لا يستترون (عَلَيْنا)
__________________
(١) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٥ / ٢٠٠.
(٢) عن مقاتل بن حيان ، انظر البغوي ، ٥ / ٦٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢٠٠.
(٣) يعطاها ، وي : يعطيها ، ح.
(٤) بعد ، ح : ـ وي.
(٥) أي ، + ي.