(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) في النار (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ) أي بصرنا الصنفين (١) اللذين (أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي إبليس وقابيل ، لأنهما سنا الكفر والمعاصي أو شيطان الجن وشيطان الإنس (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) في النار (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [٢٩] فيها جزاء لإضلالهما إيانا.
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠))
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا) من المؤمنين (رَبُّنَا اللهُ) أي عرفوه وأقروا بوحدانيته (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على المعرفة والإقرار أو على طاعته بالإخلاص سرا وجهرا ، فلم يروغوا روغان الثعلب ولا يخافون ولا يرجون أحدا دونه ، قال سفيان بن عبد الله قلت يا رسول الله : أخبرني بأمر أعتصم به ، قال عليهالسلام : «قل ربي الله ثم استقم» (٢) ، أي اخلص العلم (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) عند الموت بالبشرى أو عند الخروج من القبر (أَلَّا تَخافُوا) أي بأنه لا تخافوا ، والهاء ضمير الشأن أو يقولون لا تخافوا أمامكم من العذاب الذي تقدمون عليه فانا نؤمن منكم منه ونغفر ذنوبكم (وَلا تَحْزَنُوا) على ما خلفتم من أمر الدنيا فنحن نخلفكم فيه بالحفظ (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [٣٠] في الدنيا.
(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢))
(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) أي أحباؤكم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بايمانكم بربكم (٣)(وَفِي الْآخِرَةِ) باعترافكم بالبعث ، روي : أن ملكا ينزل من السماء فيقول للمؤمن أتعرفني؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا الذي كتبت عملك وبشره بالجنة (٤)(وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي ما تتمنى قلوبكم في الجنة بحسن أعمالكم (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) [٣١] أي ما (٥) تطلبون (نُزُلاً) أي رزقا مهيئا (مِنْ غَفُورٍ) للمذنبين (رَحِيمٍ) [٣٢] للمطيعين ، ونصب (نُزُلاً) حال من (ما تدعونه) وإن كان مصدرا ، أي معدا أو مفعول مطلق ، أي أنزلنا إنزالا و (مِنْ غَفُورٍ) نعته.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣))
(وَمَنْ) استفهام على سبيل التقرير والتحريض على دعوة الخلق إلى الإسلام ، أي ليس رجل (أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) قيل : نزل في المؤذنين (٦) أو في كل مؤمن أجاب دعوة الله ودعا إليه (٧)(وَعَمِلَ صالِحاً) بينه وبين الله بالعلم (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [٣٣] أي معتقدين الإسلام ، لأنه لا يقبل طاعة بغير دين الإسلام.
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤))
قوله (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ) أي الإيمان (وَلَا السَّيِّئَةُ) و (لا) زائدة ، أي الشرك أو لا تستوي الطاعة والمعصية ، فيه ترغيب وترهيب ، قوله (ادْفَعْ) فيه زيادة ترغيب بما هو استئناف كلام ، كان قائلا قال كيف أصنع؟ فقيل : ادفع (بِالَّتِي) أي بالخصلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) من غيرها السيئة ، أي (٨) بالصبر الغضب وبالحلم الجهل وبالعفو
__________________
(١) الصنفين ، ح ي : الصفين ، و.
(٢) أخرجه الترمذي ، الزهد ، ٦٠ ؛ وابن ماجة ، الفتن ، ١٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١٩٩.
(٣) بربكم ، ح و : ربكم ، ي.
(٤) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٥) ما ، ح : ـ وي.
(٦) عن عائشة ، انظر البغوي ، ٥ / ٦٧ ؛ والكشاف ، ٥ / ١٩٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١٨٣.
(٧) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٦٦ ـ ٦٧.
(٨) أي ، وي : ـ ح.