(أَزْواجاً) ذكرا وأنثى (وَمِنَ الْأَنْعامِ) أيضا من أنفسها (أَزْواجاً) ذكرا وأنثى إكراما لكم (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) هذا خطاب للناس والأنعام على تغليب المخاطبين العقلاء على غير العقلاء ، أي يخلقكم (١) ويكثركم بالتزويج في البطن أو في هذا التدبير والجعل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) الكاف زائدة وهو خبر (لَيْسَ) و (شَيْءٌ) اسمه ، أي لا يماثله شيء (٢) في ذات ولا في (٣) صفات ، وقيل : هذه الآية من باب الكناية (٤) ، أي من قولهم مثلك لا يبخل بمعنى أنت لا تبخل أو المثل بمعنى الصفة ، أي ليس كصفته شيء فلا تكون زائدة (وَهُوَ السَّمِيعُ) لمقالة الأعداء (الْبَصِيرُ) [١١] بأعمالهم.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتحهما من المطر والنبات (يَبْسُطُ) أي يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يقتره على من يشاء لعلمه بمصالحهم (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [١٢] من التوسيع والتقتير ، فاذا علم أن التوسيع خير للعبد أغناه وإلا أفقره.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣))
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) أي بين لكم من دين الإسلام شرعة مشتركة بين الرسل الكبار للتوحيد وهي (ما وَصَّى) أي (٥) الذي وصى (بِهِ نُوحاً) أي ما أمره بعد الطوفان (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (وَما وَصَّيْنا) أي والذي وصينا (بِهِ) من بينك وبين نوح من الأنبياء عليهمالسلام (إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) قوله (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) بيان للمشروع المشترك فيه بينهم ، يعني وصينا جميعهم أن أقيموا دين الإسلام (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي في هذا القدر المشترك من التوحيد والإيمان برسله وكتبه والبعث والجزاء وسائر ما يكون المكلف مسلما باقامته ، وليس المراد بذلك المشروع هو الشرائع التي هي مصالح الأمم ، لأنها مختلفة بحسب اختلاف أحوالهم لقوله تعالى (٦)(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(٧) ، ومحل (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) نصب ، بدل من (ما وَصَّى) أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أن أقيموا الدين ولا تختلفوا فيه (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) أي ثقل على مشركي مكة (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) يا محمد وهو دين الإسلام (اللهُ يَجْتَبِي) أي يختار (إِلَيْهِ) أي إلى دينه (مَنْ يَشاءُ) أي من كان أهلا له (وَيَهْدِي) أي يرشد (إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [١٣] أي يرجع عن الكفر ويقبل إلى الإيمان.
(وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤))
(وَما تَفَرَّقُوا) أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) في كتابهم بأن ما (٨) جاء به محمد حق أو بأن التفرق ضلال (بَغْياً) أي حسدا (بَيْنَهُمْ) لأنه كان من العرب (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب والجزاء (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ) أي لحكم (بَيْنَهُمْ) بالهلاك ، أي بين المؤمنين والكافرين (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا) أي أعطوا (الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل وهم اليهود والناصارى (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد أنبيائهم كنوح وإبراهيم وعيسى عليهمالسلام (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من القرآن أو من كتابهم (مُرِيبٍ) [١٤] أي ظاهر الشك.
__________________
(١) يخلقكم ، ح و : يجعلكم ، ي.
(٢) شيء ، ح و : ـ ي.
(٣) في ، و : ـ ح ي.
(٤) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٥ / ٢٠٨.
(٥) أي ، وي : ـ ح.
(٦) لقوله تعالى ، وي : بدليل قوله ، ح.
(٧) المائدة (٥) ، ٤٨.
(٨) بأن ما ، ح و : بأن ، ي.