(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩))
ثم وصف الله بما يوجب الإيمان به فقال (١)(اللهُ لَطِيفٌ) أي ساتر للعيوب (٢) كأنه لم يرها وغافر للذنوب كأنها لم يعلمها بار (بِعِبادِهِ) من البر والفاجر ومن لطفه بهم أنه (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) ما يشاء في الوقت الذي يشاء من أصناف البر فيظهر لبعضهم صنف من البر لم يظهر مثله لآخر على حسب اقتضاء الحكمة ، فاندفع به سؤال من قال (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) يناقض قوله (الله لطيف بعاده) بناء على أن المفهوم من الأول البعض ومن الثاني الجميع (وَهُوَ الْقَوِيُّ) أي القادر المتين على كل شيء من إيصال الرزق إلى جميع خلقه وغيره (الْعَزِيزُ) [١٩] أي (٣) المنيع الذي لا يغلبه أحد.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠))
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أي يريد بعمله ثواب الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي في ثواب حرثه بتضعيف الحسنة إلى العشرة وإلى ما شاء الله (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) أي يريد بعمله ثواب الدنيا (نُؤْتِهِ مِنْها) ما قسم له بلا تضعيف (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [٢٠] لأنه لم يعمل لله تعالى ، قيل : حرث الدنيا القناعة وحرث الآخرة الرضا (٤).
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١))
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) الاستفهام للإنكار ، أي ألهم آلهة دون الله (شَرَعُوا) أي بينوا شريعة (لَهُمْ مِنَ الدِّينِ) الفاسد وهو الشرك وإنكار البعث وعمل الدنيا دون الآخرة (ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) أي ما لم يأمر به فانه منزه عن أن يأذن في عمل الباطل (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) أي كلمة الحكم السابق بتأخير العذاب عن هذه الأمة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بالعذاب (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أي المشركين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٢١] في الآخرة.
(تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢))
(تَرَى الظَّالِمِينَ) أي المشركين يوم القيامة (مُشْفِقِينَ) أي خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) في الدنيا من القبائح (وَهُوَ) أي جزاء كسبهم (واقِعٌ) أي نازل (بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي صدقوا بالقرآن وأدوا الفرائض والسنن (٥)(فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) أي في بساتينها (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) من الكرامة (ذلِكَ) أي الثواب (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [٢٢] أي المن العظيم من الله.
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))
ذلك صلىاللهعليهوسلم أي الذي أعد لهم في الجنة هو (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) في الدنيا قرئ «يبشر» بضم الياء والتشديد وبفتح الياء والتخفيف (٦) ، قوله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) نزل حين سأل المشركون أيبتغي محمد على تبليغ الرسالة أجرا من الناس (٧) أو نزل حين حاءت الأنصار ببعض أموالهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا
__________________
(١) ثم وصف الله بما يوجب الإيمان به فقال ، وي : ـ ح.
(٢) للعيوب ، وي : العيوب ، ح.
(٣) أي ، ح و : ـ ي.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٥) والسنن ، وي : ـ ح.
(٦) «يبشر» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأخوان بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين مخففة ، والباقون بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين مشددة. البدور الزاهرة ، ٢٨٦.
(٧) عن قتادة ، انظر الواحدي ، ٣١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢١١.