استعن بهذا المال في سبيل الله ودينه (١) ، فقال الله تعالى قل لا أسألكم (عَلَيْهِ) أي على ما جئت به من الحق (أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) منكم ، أي أن تؤدوا قرابتي وتصلوها وتكفوا عن الأذى ، ولم يقل إلا المودة للقربى باللام ، لأنهم جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها للمبالغة والقربى بمعنى القرابة كالبشرى بمعنى البشارة ، روي : أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : «علي وفاطمة وابناهما» (٢) ، ويدل عليه ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : «شكوت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسد الناس في فقال أما ترضى أن تكون رابع أربعة ، أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا؟» (٣) ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي» (٤)(وَمَنْ يَقْتَرِفْ) أي يكتسب (حَسَنَةً) أي طاعة (نَزِدْ لَهُ) أي يزد الله تعالى (فِيها حُسْناً) بالتضعيف ، أي للواحدة عشرا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب عن السيئة (شَكُورٌ) [٢٣] يقبل اليسير ويعطي الجزيل.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤))
(أَمْ يَقُولُونَ) أي المشركون والميم صلة بعد ألف الاستفهام (افْتَرى) أي اختلق محمد (عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة القرآن إليه تعالى ، فنزل تسلية لنبيه عليهالسلام (٥)(فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ) أي يربط (عَلى قَلْبِكَ) بالصبر فلا يدخل فيه الحزن ولا يضيق من أذاهم (وَ) من عادته أنه (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) أي الشرك وهو كلام مستأنف غير معطوف على (يَخْتِمْ) ، وسقوط الواو كسقوطها في (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ)(٦) على أنها ثابتة في بعض المصاحف (وَيُحِقُّ) أي و (٧) يثبت (الْحَقَّ) أي الإسلام (بِكَلِماتِهِ) أي بآياته المنزلة على الأنبياء بوحيه وحكمه بالنصر للمرسلين كقوله ان (لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(٨)(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٢٤] أي بما يضمره بالقلوب فيجازي كلا بعمله.
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥))
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) قبل التوبة (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) [٢٥] من الخير والشر فلا تغفلون عنه ، قرئ بالياء والتاء (٩).
(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦))
(وَيَسْتَجِيبُ) أي يجيب دعاء (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي سؤالهم من المغفرة والرحمة (وَيَزِيدُهُمْ) على أعمالهم (مِنْ فَضْلِهِ) أي من الثواب أكثر مما سألوا (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [٢٦] أي دائم لا يفتر عنهم.
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧))
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ) أي لو وسعه عليهم (لَبَغَوْا) أي لطغوا (فِي الْأَرْضِ) بطلبهم منزلة بعد منزلة وملبسا بعد ملبس ومركبا بعد مركب ونحو ذلك ، قيل : قد ترى الناس يبغي بعضهم على بعض وهو مبسوط له الرزق وقد يكون البغي بدون البسط ، فلا معنى للشرط أجيب بأن الحكم للغالب ، فإن البغي مع الفقر أقل ومع
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٢١١.
(٢) انظر الكشاف ، ٥ / ٢١١.
(٣) انظر الكشاف ، ٥ / ٢١١.
(٤) انظر الكشاف ، ٥ / ٢١١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٦) الإسراء (١٧) ، ١١.
(٧) و ، ح : ـ وي.
(٨) الصافات (٣٧) ، ١٧٢ ـ ١٧٣.
(٩) «تفعلون» : قرأ حفص والأخوان وخلف بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٢٨٦.