(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦))
(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [٢٥] أي لم لا ينصر بعضكم بعضا اليوم لدفع العذاب عنه كما كنتم فاعلين في الدنيا (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) [٢٦] أي منقادون عاجزون عن نصرة (١) ذليلون.
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨))
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [٢٧] أي يتلاومون بالخصومة ، يعني الأتباع والمتبوعين ، (قالُوا) أي الأتباع للمتبوعين (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [٢٨] أي عن جهة الحلف بأنكم على الحق فصدقناكم أو عن جهة قوتكم وقهركم لنا فاتبعناكم خوفا منكم أو المراد ب (الْيَمِينِ) جميع الجوانب ، واكتفى بذكره عن غيره لشرفه وقوته ، قيل : من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين لتلبيس الحق عليه ، ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات ، ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل تكذيب القيامة ، ومن أتاه من خلفه أتاه من قبل تخويفه بالفقر على نفسه وعلى من بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكوة (٢).
(قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩))
(قالُوا) أي قال لهم المتبوعون (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [٢٩] أي بل أبيتم الإيمان وقبوله ، يعني أعرضتم عنه مع تمكنهم منه ولم نقهركم على الكفر.
(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١))
(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي من تسلط نسلبكم به اختياركم وقوتكم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) [٣٠] أي عاصين أمر ربكم فقالوا جميعا (فَحَقَّ) أي وجب (عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) بالعذاب وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٣)(إِنَّا لَذائِقُونَ) [٣١] جميعا العذاب في النار.
(فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢))
(فَأَغْوَيْناكُمْ) أي أضللناكم عن الهدى (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) [٣٢] أي ضالين فعدلوا به عن الخطاب إلى التكلم بذلك عن أنفسهم لعلمهم بحالهم واستحقاقهم العقوبة بها (٤).
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧))
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي إن المتبوعين يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [٣٣] لاشتراكهم في الغواية فقال تعالى (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) [٣٤] أي إنا نجمع بين المشركين ومضليهم (٥) في العذاب (إِنَّهُمْ كانُوا) في الدنيا (إِذا قِيلَ لَهُمْ) قولوا (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [٣٥] فلا يقولونها (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا) أي أنترك عبادة الأصنام (لِشاعِرٍ) أي لأجل قول شاعر (مَجْنُونٍ) [٣٦] يعنون محمدا عليهالسلام فرد الله عليهم ، فقال (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ) أي بالقرآن الحق (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [٣٧] الذين جاؤا قبله كقوله (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)(٦).
(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١))
(إِنَّكُمْ) أي العابد والمعبود (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) [٣٨] أي الوجيع الدائم (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ
__________________
(١) نصرة ، ح : نصره ، وي.
(٢) نقل المؤلف هذه الأقوال عن السمرقندي ، ٣ / ١١٣ ـ ١١٤.
(٣) هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣.
(٤) بها ، وي : ـ ح.
(٥) ومضليهم ، ح و : ولمضليهم ، ي.
(٦) البقرة (٢) ، ٩٧ ؛ آل عمران (٣) ، ٣ ؛ المائدة (٥) ، ٤٨ ؛ فاطر (٣٥) ، ٣١ ؛ الأحقاف (٤٦) ، ٣٠.