(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨))
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن إنذارك يا محمد وعن الإيمان بك (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي (١) تحفظ إيمانهم وأعمالهم بالجبر (إِنْ) أي ما (عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) أي تبليغ الرسالة فحسب ، نسخ هذا بآية السيف (٢)(وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) يعني أبا جهل أو الجنس (مِنَّا رَحْمَةً) أي نعمة من الصحة والغنا والأمن (فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) كالمرض والشدة والقحط (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بعملهم المعاصي (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) [٤٨] أي يكفر بنعم الله ، يعني (٣) يشكو من ربه عند المصيبة ولا يكره عند النعمة.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩))
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له الحكم فيهما والقدرة على أهلهما باذاقة الرحمة وإصابة البلية متى شاء وكيف أراد (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي على أي صورة وصفة يشاء (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) أي أولادا إناثا كلوط النبي عليهالسلام (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) [٤٩] أي الأولاد الذكور كابراهيم النبي عليهالسلام.
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) أي يقرن الأولاد حال كونهم (ذُكْراناً وَإِناثاً) لمن يشاء كيعقوب النبي عليهالسلام ومحمد صلىاللهعليهوسلم قدم الإناث هنا ليدل على أنه فاعل لما يشاءه ولا (٤) لما يشاؤنه ، ثم عرف الذكور بيانا لشهرتهم عندهم ثم قدم ما هو الأصل في التقديم من الجنسين كما في قوله (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)(٥)(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) لا يلد ولدا كيحيى وعيسى عليهماالسلام (إِنَّهُ) أي الله تعالى (عَلِيمٌ) أي عالم بالحكمة ، يعطي ما يصلح لكل واحد من العباد (قَدِيرٌ) [٥٠] أي قادر على تكوين ما يصلح لهم.
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١))
قوله (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) نزل حين قال اليهود للنبي عليهالسلام إن كنت نبيا كلم الله وانظر إليه لنؤمن بك كموسى ، فقال صلىاللهعليهوسلم لم ينظر موسى إلى الله تعالى (٦) ، أي ما صح لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على ثلاثة أوجه ، إما بوحي وهو الإلهام في القلب والرؤية في المنام كأم موسى عليهالسلام في التابوت وإبراهيم في الذبح (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) بأن يحجب العبد عن الله المتكلم له كموسى عليهالسلام إذا سمع (٧) التكلم (٨) من الشجرة ولم ير شخصه (أَوْ يُرْسِلَ) الله تعالى (رَسُولاً) أي ملكا كجبرائيل عليهالسلام (فَيُوحِيَ) أي يلقي الرسول إليه كما كلم الأنبياء غير موسى (بِإِذْنِهِ) أي بأمر الله تعالى (ما يَشاءُ) من الوحي (إِنَّهُ) أي الله (عَلِيٌّ) أي منزه عن صفات الخلق بأن يتكلم أحدا في الدنيا مواجهة ويراه أحد عيانا فيها (حَكِيمٌ) [٥١] أي حاكم في صنعه بالحكمة من الإيحاء والتكلم بواسطة وغير واسطة ، قوله (أَوْ يُرْسِلَ) بالنصب عطف على محل (إِلَّا وَحْياً) ، تقديره : بأن يوحي أو أن يسمع من وراء حجاب أو أن يرسل أو هما مصدران في موضع الحال ، وكذا (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ظرف في موضع الحال أيضا ، وبالرفع عطف على معنى أو هو يرسل ،
__________________
(١) أي ، ح : ـ وي.
(٢) نقل المصنف هذا الرأي عن السمرقندي ، ٣ / ٢٠٠ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٨٠ ؛ وابن الجوزي ، ٥١.
(٣) يعني ، وي : ـ ح.
(٤) ولا ، ح : لا ، وي.
(٥) الحجرات (٤٩) ، ١٣.
(٦) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٠١ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣١١ ؛ والبغوي ، ٥ / ٩٠.
(٧) إذا سمع ، ي : إذ سمع ، ح و.
(٨) التكلم ، ح و : تكلم ، ي.