أن لله (١) تعالى (مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أي بعضا لقولهم الملائكة بنات الله ، لأن الولد جزء الوالد أو جعلوا بعض عباده شريكا له (٢) ، لأنهم أشركوا الأصنام معه تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) أي لجحود لنعم ربه (مُبِينٌ) [١٥] أي بين الكفر ، لأن نسبة الولد إليه كفر وهو أصل الكفران كله.
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦))
قوله (أَمِ اتَّخَذَ) أورد فيه (أَمِ) المنقطعة (٣) بتضمير الهمزة الاستفهامية للإضراب والإنكار تجهيلا لهم (٤) ، أي بل أاتخذ تعالى (٥) لنفسه حيث لم يرضوا باثبات الجزء له حتى جعلوه شر الجزءين عندهم وهو الإناث (مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ) أي واختاركم (بِالْبَنِينَ) [١٦] وهو مما (٦) يستحيل في صفاته ، قيل : هو رد على بني مليح حيث قالوا الملائكة بنات الله (٧).
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧))
ثم وصف كراهيتهم بالنبات بقوله (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) أي جعل له شبها من جنسه بقوله الملائكة بنات الله تعالى عن ذلك ، لأن الولد يشبه الوالد (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي صار وجهه متغير اللون (وَهُوَ كَظِيمٌ) [١٧] أي حزين يكظم غيضه ، المعنى : أنكم كيف ترضون لله من الأوصاف ما لا ترضون لأنفسكم.
(أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨))
(أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا) الاستفهام فيه للتوبيخ ، قرئ بفتح الياء والتخفيف ، وبضم الياء والتشديد (٨) ، أي أينسب للرحمن ولد ويجعل له من الولد من هو متصف بالصفة المذمومة وهو من ينشأ ، أي يربي (فِي الْحِلْيَةِ) أي في الزينة والنعمة (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) أي في الكلام إذا احتاج إلى مجاباة الخصوم (غَيْرُ مُبِينٍ) [١٨] بحجة ، أي ليس عنده بيان ببرهان يحج به من يخاصمه ، وذلك لضعف عقله ونقصانه ، إذ المرأة إذا أرادت أن تتكلم بحجتها انقلبت الحجة عليها غالبا ، وفي الآية إشارة إلى أن التربية في الزينة والتنعم من المذام ، لأنه من صفات النساء فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه.
(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩))
(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) أي ومن أقبح أوصافهم أنهم سموا الملائكة الذين هم ٤٣ أكرم عباد الله عليه إناثا فاسخفوا بهم واحتقروهم ، ثم قال بهمزة الإنكار (أَشَهِدُوا) أي أحضروا ، وقرئ «أو شهدوا» بهمزة الاستفهام وتخفيف همزة المجهول (٩) ، يعني بين الهمزة والواو ومن الإشهاد وأو آشهدوا بادخال ألف بين همزة الاستفهام وهمزة الفعل المجهول وهو أشهدوا ، أي أآحضروا (خَلْقَهُمْ) أي خلق الملائكة حين خلقهم الله تعالى فعلموا أنهم ذكور وإناث ، وهذا استهزاء بهم وتوبيخ لهم ، قوله (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) وعيد لهم ، نزل حين سأل عنهم النبي عليهالسلام ما يدريكم أن الملائكة إناث؟ فقالوا : سمعنا من
__________________
(١) لله ، ح و : الله ، ي.
(٢) له ، وي : ـ ح.
(٣) للإضراب ، + ح.
(٤) لهم ، ح و : بهم ، ي.
(٥) تعالى ، ح و : الله ، ي.
(٦) مما ، وي : ما ، ح.
(٧) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٢٠٤.
(٨) «ينشأ» : قرأ حفص والأخوان وخلف بضم الياء التحتية وفتح النون وتشديد الشين ، والباقون بفتح الياء وإسكان النون وتخفيف الشين. البدور الزاهرة ، ٢٨٨.
(٩) «أشهدوا» : قرأ المدنيان بهمزتين ، الأولى مفتوحة محققة ، والثانية مضمومة مسهلة بين بين مع إسكان الشين ، وأدخل بينهما ألفا أبو جعفر وقالون بخلف عنه ، وأما ورش فيسهل من غير إدخال ، والباقون بهمزة واحدة مفتوحة محققة مع كسر الشين. البدور الزاهرة ، ٢٨٩.