فيتناول كل واحد (١) منهما الإفراد ، فبذلك جاز أن يرجع إليهما بصيغة ضمير الجمع.
(حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨))
قوله (حَتَّى) غاية لحسبانهم مهتدين (٢)(إِذا جاءَنا) مفردا ، أي المعرض وقرئ «جاءانا» تثنية (٣) ، أي المعرض وشيطانه (٤)(قالَ) أي المعرض لشيطانه تندما (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أي بعدا مثل بعد ما بين المشرق والمغرب بتغليب المشرق ، أراد به غاية تباعدهما (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [٣٨] أي قال الله تعالى فبئس الصاحب معه الشيطان في النار أو قال المعرض فبئس القرين أنت يا شيطان.
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩))
(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) أي يقال يوم القيامة للكافرين المعرضين عن القرآن عند دخولهما النار لن ينفعكم اليوم الندم أو الاعتذار أو التمني (إِذْ ظَلَمْتُمْ) بدل من (الْيَوْمَ) ، أي إذا أشركتم ، قوله (أَنَّكُمْ) بالفتح تعليل لعدم النفع ، أي لما صح ظلمكم عندكم في الدنيا فلن ينفعكم اليوم ندمكم لأنكم (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [٣٩] أي حق جميعكم من التابع والمتبوع أن تكونوا في العذاب سواء لاشتراككم في موجبه وهو الكفر.
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١))
قوله (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ) نزل حين بالغ النبي عليهالسلام في طلب إيمان أهل مكة (٥) ، فأوحى الله تعالى إلى أن لا نافع إلا هو بقوله (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ) ، أي تفهم من كان أصم القلب (أَوْ تَهْدِي) أي ترشد (الْعُمْيَ) أي من تعامى عن الحق إلى الهدى (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٤٠] أي ظاهر الضلالة في علم الله تعالى فوجبت (٦) عليه كلمة العذاب ، والفاء في جواب شرط مقدر وهو لما يؤمنوا بك وبما جئتهم (٧) به من القرآن في قوله (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)(٨) بأن نميتك قبل نصرتك وتعذيب الكفار هنا (٩)(فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) [٤١] يوم القيامة.
(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢))
(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) من العذاب في حيوتك بأن لم يؤمنوا (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ) أي على إهلاكهم (مُقْتَدِرُونَ) [٤٢] أي قادرون بلا مانع عنه.
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣))
قوله (فَاسْتَمْسِكْ) خطاب له صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته ، أي خذ (بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) واعمل به وهو القرآن (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٤٣] أي على دين الحق.
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤))
(وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَذِكْرٌ) أي لشرف (١٠)(لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي للعرب ، لأنه نزل بلغتهم ، وقيل : ذكر لك بما أعطاك من الحكمة ولقومك (١١) ، أي لمتبعيك (١٢) بالهداية (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) [٤٤] يوم القيامة عن شكر هذا
__________________
(١) واحد ، ي : ـ ح و.
(٢) غاية لحسبانهم مهتدين ، و : ـ ح ي.
(٣) «جاءنا» : قرأ المدينان والمكي والشامي وشعبة بألف بعد الهمزة ، والباقون بغير ألف. البدور الزاهرة ، ٢٩٠.
(٤) غاية لحسبانهم مهتدين ، + ح.
(٥) لعله اختصره من الكشاف ، ٥ / ٢٢٦.
(٦) فوجبت ، ح و : فوجب ، ي.
(٧) جئتهم ، وي : جئت ، ح.
(٨) أي ، + ح.
(٩) هنا ، ح و : ـ ي.
(١٠) لشرف ، ح : شرف ، وي.
(١١) نقوله المفسر عن البغوي ، ٥ / ١٠٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٠٨.
(١٢) لمتبعيك ، وي : المتبعيك ، ح.