(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢))
(أَمْ أَنَا خَيْرٌ) الهمزة للتقرير والميم صلة كأنه قال اثبت عندكم وهذه حالتي ، إنني أنا خير (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) أي ضعيف حقير ، يعني موسى (وَلا يَكادُ) أي لا يقرب (يُبِينُ) [٥٢] أي يفصح كلامه لعية فيه أراد لثغته التي حدثت (١) بسبب الجمرة ، فلا يصلح للرياسة والسياسة ليؤمن به الناس ويقتدوه وأنا فصيح الكلام وبليغ الحجة أفلا تنظرون فضلي عليه في كل شيء.
(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣))
(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ) أي هلا أعطي أسوة وقرئ «أساورة» (٢)(مِنْ ذَهَبٍ) إن كان صادقا في مقالته وحقا في رسالته فيكون حاله خيرا (٣) من حالي ، وكان آل فرعون إذا سودوا رجلا ألبسوه أسورة ذهب وطوقوه طوق ذهب (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [٥٣] أي متتابعين يشهدون بصدقه.
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥))
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) أي استذلهم (فَأَطاعُوهُ) أي انقادوا له فيما يريد (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [٥٤] أي عاصين الله ورسوله بنقض العهد.
(فَلَمَّا آسَفُونا) أي أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي عاقبناهم (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥٥] أي لم نبق أحدا منهم.
(فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦))
(فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) بضمتين جمع سليف وبفتحتين جمع سالف (٤) ، ومعنى الكل الماضي والمتقدم ، أي فأهلكناهم وجعلناهم متقدمين عبرة (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) [٥٦] بعدهم من الكفار يتمثلون بحالهم فلا يفعلون مثل أفعالهم.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧))
قوله (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ) الآية نزل حين قال ابن الزبعري للنبي عليهالسلام بعد نزول قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)(٥) رضينا أن يكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة ، لأنهم عبدوا دون الله ففرح قومه بذلك وضحكوا استهزاء ورفعوا أصواتهم تعجبا وأعرضوا عن النبي عليهالسلام ، فقال تعالى ولما ضرب ، أي وصف ابن مريم (مَثَلاً) يعني ممثلا به (إِذا قَوْمُكَ) أي كفار مكة (مِنْهُ) أي من أجل المثل (يَصِدُّونَ) [٥٧] بالضم ، أي يعرضون عن الحق ، وبالكسر (٦) ، أي يضجون ويرفعون أصواتهم تعجبا.
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨))
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يعنون عيسى فنرضي أين يكون آلهتنا معه في النار على تقدير أن يكون هو فيها (ما ضَرَبُوهُ) أي هذا المثل وهو آلهتنا خير أم هو (لَكَ) يا محمد ، يعني ما عارضوك بهذه المعارضة (إِلَّا جَدَلاً) أي مجادلين بالباطل أو لأجل الجدل في القول لا لطلب الحق وترك الباطل (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [٥٨] أي شديد و (٧) الخصومة دأبهم اللجاج.
__________________
(١) حدثت ، وي : تحدثت ، ح.
(٢) «أسورة» : قرأ حفص ويعقوب بسكون السين ، وغيرهما بفتح السين وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٩٠.
(٣) خيرا ، وي : خيرا ، ح.
(٤) «سلفا» : قرأ الأخوان بضم السين واللام ، وغيرهما بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٢٩٠.
(٥) الأنبياء (٢١) ، ٩٨.
(٦) «يصدون» : قرأ ابن كثير والبصريان وعاصم وحمزة بكسر الصاد ، وغيرهم بضمها. البدور الزاهرة ، ٢٩٠.
(٧) شديدو ، وي : شديد ، ح.