(إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩))
(إِنْ هُوَ) أي ما عيسى (إِلَّا عَبْدٌ) مربوب فلا يجوز أن يكون إلها لكن (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) بالنبوة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [٥٩] أي دليلا وعبرة يستدلون بوجوده من غير أب على قدرة الله تعالى كما خلقنا آدم من غير أب وأم لذلك.
(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠))
(وَلَوْ نَشاءُ) لقدرتنا على عجائب الأمور (لَجَعَلْنا) أي ولدنا (مِنْكُمْ) يا بني آدم (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) [٦٠] بعدكم كما يخلقكم أولادكم كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ، ولتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من الأجسام ، وذات الله القديم متعالية عن ذلك.
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١))
(وَإِنَّهُ) أي نزول عيسى عليهالسلام (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) بكسر العين ، أي ما يعلم به قرب الساعة وبفتح العين (١) واللام رواية ، أي علامة لقيام الساعة (فَلا تَمْتَرُنَّ) أي لا تشكن (بِها) أي في الساعة والبعث من المرية الشك (وَاتَّبِعُونِ) أي اتبعوا صراطي وهو التوحيد (هذا) أي الذي آمركم به من التوحيد (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [٦١] لا اعوجاج له.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢))
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ) أي لا يصرفنكم (الشَّيْطانُ) عن هذا الصراط وهو طريق الهدى (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [٦٢] أي ظاهر العداوة.
(وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣))
(وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات والشرائع (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) أي بالنبوة وشرائع الإنجيل (وَ) بعثت (لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أمر الدين دون بعض الذي تختلفون فيه من غيره ، إذ لا تعبد فيه (فَاتَّقُوا اللهَ) من المخالفة (وَأَطِيعُونِ) [٦٣] فيما آمركم من أمر التحيد.
(إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥))
(إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) أي هو (٢) خالقي وخالقكم (فَاعْبُدُوهُ) أي وحدوه وأطيعوه (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ [٦٤] فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) أي الجماعات المتحزبة في أمر عيسى (مِنْ بَيْنِهِمْ) أي من (٣) بين النصارى الذين بعث عيسى إليهم بالنبوة ، فقال لهم إني قد (٤) جئتكم بالحكمة ، وهم النسطورية واليعقوبية والملكائية ، وقيل : هم اليهود والنصارى (٥) تفرقوا في أمر عيسى ، فقالت اليهود إنه ولد الزنا ، وقالت النصارى إنه ابن الله واختلفوا في قتله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [٦٥] أي وجيع.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦))
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) أي ما ينتظرون إذ لم يؤمنوا إلا (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) الساعة (بَغْتَةً) أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٦٦] بها يعني غافلون عنها لاشتغالهم بالدنيا ، ويجوز أن تأتي الناس بغتة وهم يظنون كالمؤمنين
__________________
(١) نقل المؤلف هذه القراءة عن السمرقندي ، ٣ / ٢١١.
(٢) هو ، وي : ـ ح.
(٣) من ، ح و : ـ ي.
(٤) فقال لهم إني قد ، و : وقال لهم قد ، ي : فقال لهم ، ح.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٢٣١.