بدعاء النبي عليهالسلام فعادوا إلى الكفر فانتقم منهم يوم بدر وإن أريد بالدخان الذي قبل يوم القيامة ، فكشف العذاب عنهم انما يستقيم بما روي : أن الكفار والمنافقين إذا رأوا الدخان يأتي من السماء غوثوا ، وقالوا ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون ، أي منيبون إليك فكشف الله عنهم بعد أربعين يوما فريثما يكشفه عنهم يرتدون عقيب ذلك (١).
(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦))
(يَوْمَ نَبْطِشُ) أي اذكر يوم نأخذ (الْبَطْشَةَ) أي بقوة البطشة (الْكُبْرى) أي يوم بدر أو يوم القيامة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [١٦] أي ننتقم منهم في ذلك اليوم.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩))
(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أي ابتلينا (قَبْلَهُمْ) أي قبل قريش (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بالإمهال وكثرة المال فارتكبوا المعاصي (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) [١٧] على الله وهو موسى وهرون (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) «أَنْ» مفسرة لأن مجيء الرسول المرسل إليهم متضمن معنى القول ، لأنه بشير ونذير ، أي أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تعذبوهم لا ذنب بهم إلى الشام (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [١٨] غير متهم ائتمنه الله على وحيه ورسالته فاتبعوني وأطيعوا أمري (وَأَنْ لا تَعْلُوا) أن هذه كالأولى ، أي لا تتعظموا (عَلَى اللهِ) باستهانة رسوله ووحيه أو لا تخالفوا أمره ولا تعملوا بالفساد (٢)(إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [١٩] أي دليل واضح على رسالتي كاليد والعاصا.
(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١))
(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي أتعوذ به من (أَنْ تَرْجُمُونِ) [٢٠] أي تقتلوني وكانوا يتوعدونه من الرجم (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) أي إن لم تصدقوني (فَاعْتَزِلُونِ) [٢١] أي فاعتزلوا أذائى فانه ليس بجزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم ذلك (٣) فلم يؤمنوا به.
(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢))
(فَدَعا رَبَّهُ) أي دعا موسى ربه عليهم (أَنَّ) أي بأن (هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) [٢٢] أي مشركون لم يطيعوني.
(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧))
قوله (فَأَسْرِ بِعِبادِي) أي ببني إسرائيل ، الفاء فيه جواب شرط محذوف ، أي قال الله تعالى إن كان الأمر كما تقول فأسر بهم (لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) [٢٣] أي ندبر أن يتبعكم فرعون وقومه ليقتلوكم ، ونحن ننجيكم ونهلكهم فاذهب موسى بني إسرائيل إلى البحر بأمره تعالى ، فضرب عصاه البحر فصار طريقا يبسا ، فلما جاوز موسى مع بني إسرائيل البحر عاد (٤) موسى بضرب البحر بعصاه ليلتئم لئلا يدركه بالقبط فقال تعالى لموسى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي ساكنا منفرجا كحاله حتى يدخله القبط (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) [٢٤] أي سيغرقون فدخل فرعون وقومه فأغرقهم الله تعالى وبقيت بيوتهم وقصورهم وبساتينهم خاوية ، فقال تعالى (كَمْ تَرَكُوا) وهو متضمن بمعنى الإخراج ، أي كم أخرجناكم (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [٢٥] أي بساتين وأنهار جارية (وَزُرُوعٍ) أي وحروث (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [٢٦] أي مساكن حسنة (وَنَعْمَةٍ) بالفتح من التنعم ، أي وكم تركوا من نعيم (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) [٢٧] أي معجبين.
__________________
(١) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٢٣٧.
(٢) بالفساد ، وي : الفساد ، ح.
(٣) ذلك ، ح : ـ وي.
(٤) عاد ، وي : دعا ، ح.