قوله جل ذكره : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
وإذا أحاطت بهم في جهم سرادقات العذاب فلا صريخ لهم ، كذلك ـ اليوم ـ من أحاط به العذاب ؛ من فوقه اللّعن ومن تحته الخسف ، ومن حوله الخزي ، ويلبس لباس الخذلان ، ويوسم بكيّ الحرمان ، ويسقى شراب القنوط ، ويتوّج بتاج الخيبة ، ويقيّد بقيد السّخط ، ويغلّ بغلّ العداوة ، فهم يسحبون في جهنم الفراق حكما ، إلى أن يلقوا في جحيم الاحتراق عينا.
قوله جل ذكره : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦))
الدنيا أوسع رقعة من أن يضيق بمريد مكان ، فإذا نبا به منزل ـ لوجه من الوجوه ـ إمّا لمعلوم حصل ، أو لقبول من الناس ، أو جاه ، أو لعلاقة أو لقريب أو لبلاء ضدّ ، أو لوجه من الوجوه الضارة ... فسبيله أن يرتحل عن ذلك الموضع وينتقل إلى غيره ، كما قالوا (١) :
وإذا ما جفيت كنت حريّا |
|
أن أرى غير مصبح حيث أمسى |
وكذلك العارف إذا لم يوافق وقته مكان انتقل إلى غيره من الأماكن (٢).
قوله جل ذكره : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧))
إذا كان الأمر كذلك فالراحة معطوفة على تهوين الأمور ؛ فسبيل المؤمن أن يوطّن نفسه
__________________
(١) البحنرى في السينية.
(٢) تعبر هذه الفقرة عن رأى القشيري فيما يعرف عند الصوفية (بالسّفر) فهو يجيزه للعارف ، أما بالنسبة للمريد فإنه يرى عدم السفر ؛ لأن ثبات المريد في مكان به ابتلاء هروب من مواجهة الابتلاء وذلك آية ضعف في الإرادة : (ومن آداب المريد بل من فرائض حاله أن يلازم موضع إرادته وألا يسافر قبل أن تقبله الطريق وقبل الوصول بالقلب إلى الرب ، فإن السفر للمريد في غير وقتله سم قاتل (الرسالة ص ٢٠٠).