لخصوصية رتبتهم (١) ، وتمييزا لهم من بين أشكالهم بعلوّ الحالة والمنزلة ، فمنهم من خرج من دنياه على صدقه (٢) ، ومنهم من ينتظر حكم الله في الحياة والممات ، ولم يزيغوا عن عهدهم ، ولم يراوغوا في مراعاة حدّهم ؛ فحقيقة الصدق حفظ العهد وترك مجاوزة الحدّ.
ويقال : الصدق استواء الجهر والسّرّ.
ويقال : هو الثبات عند ما يكون الأمر جدّا.
قوله جل ذكره : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤))
فى الدنيا يجزى الصادقين بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية ، وفي الآخرة بجميل الثواب وجزيل المآب والخلود في النعيم المقيم والتقديم على الأمثال بالتكريم والتعظيم ..
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) على الوجه الذي سبق به العلم ، وتعلّقت به المشيئة.
ويقال : إذا لم يجزم بعقوبة المنافق وعلّق القول فيه بالرجاء فبالحريّ ألا يخيّب المؤمن فى رجائه.
قوله جل ذكره : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥))
لم يشمت بالمسلمين عدوّا ، ولم يوصّل إليهم من كيدهم سوءا ، ووضع كيدهم في نحورهم ، واجتثّهم من أصولهم ، وبيّن بذلك جواهر صدقهم وغير صدقهم ، وشكر من استوجب شكره من جملتهم ، وفضح من استحقّ الذمّ من المدلسين منهم.
__________________
(١) «من المؤمنين رجال ..» : عن أنس أنها نزلت في عمه أنس بن النضير الذي أبلى يوم أحد بلاء عظيما ، حتى قتل وبه ثمانون جراحة بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم .. رواه البخاري عن بندار ، ومسلم عن محمد بن حاتم.
(٢) «فمنهم من قضى نحبه» نزلت في طلحة بن عبيد الذي ثبت بجانب الرسول يوم أحد حتى دعا له الرسول (ص) : اللهم أوجب لطلحة الجنة. (الواحدي ص ٢٣٨).