ذلك مفتقر ـ فى حال بقائه إليه ـ ليديمه ويقيه. فالله ـ سبحانه ـ غنيّ ، والعبد فقير ؛ العبد فقير بعينه والله غنيّ بعينه (١).
وأمّا فقر الصفة فهو التجرّد ؛ ففقر العوام التجرّد من المال ، وفقر الخواص التجرد من الأعلال ليسلم لهم الفقر.
والفقر على أقسام : فقر إلى الله ، وفقر إلى شىء هو من الله ؛ معلوم أو مرسوم وغير ذلك. ومن افتقر إلى شىء استغنى بوجود ذلك الشيء ؛ فالفقير إلى الله هو الغنيّ بالله ، والافتقار إلى الله لا يخلو من الاستغناء بالله ، فالمفتقر إلى الله مستغن بالله ، والمستغنى بالله مفتقر إلى الله (٢).
ومن شرف الفقر اقترانه بالتواضع والخضوع ، ومن آفات الغنى امتزاجه بالتكبّر. وشرف العبد في فقره ، وكذلك ذلّه في توهمه أنه غنيّ : ـ
وإذا تذلّلت الرّقاب تقرّبا |
|
منّا إليك فعزّها في ذلّها (٣) |
ومن الفقر المذموم ، أن يستر الحقّ على صاحبه مواضع فقره إلى ربّه ، ومن الفقر المحمود أن يشهده الحقّ مواضع فقره إليه.
ومن شرط الفقير المخلص ألا يملك شيئا ويملك كلّ شىء.
ويقال : الفقير الصادق الذي لا يملكه شىء (٤).
ومن آداب الفقير الصادق إظهار التّشكّر عند كمال التكسّر. ومن آداب الفقر كمال المعنى وزوال الدعوى. ويقال الشكر على البلوى والبعد عن الشكوى.
__________________
(١) أي أن العبد ـ كذات مستقلة ـ فقير ؛ لأنه مخلوق يحتاج إلى خالقه ، والحق ـ كذات مستقلة ـ غنى ؛ لأنه خالق فهو في غير حاجة إلى مخلوقه.
(٢) من أقوال الجنيد في هذا الصدد وقد سئل عن الافتقار إلى الله : أهو أتم أم الاستغناء بالله قال : إذا صح الافتقار إلى الله فقد صح الاستغناء بالله ، وإذا صح الاستغناء بالله كمل الغنى به ؛ فلا يقال أيهما أتم ؛ لأنهما حالتان لا تتم إحداهما إلا بالأخرى (الرسالة ص ١٣٥).
(٣) من أقوالهم في هذا الصدد : لو علم أبناء الملوك ما نحن فيه من عز لجالدونا عليه.
(٤) أي لا يكون أسيرا لغرض أو لعرض ، فتلك آفة الدنيا والنفس.