فكشف الله عنهم العذاب ، وآمنوا بالله ، وكانوا يقولون : لو رأينا يونس لو قرّناه ، وعظّمناه ، فرجع يونس إليهم بعد نجاته من بطن الحوت ، فاستقبله قومه ، وأدخلوه بلدهم مسكّرّما.
ويقال : الذّنب والجرم كانا من قومه ، فهم قد توعّدوا بالعذاب. وأمّا يونس فلم يكن قد أذنب ولا ألمّ بمحظور ، وخرج من بينهم ، وكشف الله العذاب عنهم ، وسلموا .. واستقبل يونس ما استقبله بل أنه قاسى اللتيا والتي بعد نجاته ؛ ويا عجبا من سرّ تقديره! فقد جاء في القصة أن الله سبحانه ـ أوحى إلى يونس بعد نجاته أن قل لفلان الفخّار حتى يكسر الجرار التي عملها في هذه السنة كلّها! فقال يونس : يا رب ، إنه قطع مدة في إنجاز ذلك ، فكيف آمره بأن يكسرها كلّها؟
فقال له : يا يونس ، يرقّ قلبك لخزّاف يتلف عمل سنة .. وتريدنى أن أهلك مائة ألف من عبادى؟! يا يونس ، إنك لم تخلقهم ، ولو خلقتهم لرحمتهم (١).
قوله جل ذكره : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩))
لمّا قالوا في صفة الملائكة إنهم بنات الله بيّن الله قبح قولهم ، فقال : سلهم من أين قالوا؟ وبأى حجّة حكموا بما زعموا؟ وأي شبهة داخلتهم. ثم إنهم كانوا يستنكفون من البنات ، ويؤثرون البنين عليهن .. ومع كفرهم وقبيح قولهم وصفوا القديم ـ سبحانه ـ بما استنكفوا منه لأنفسهم!
قوله جل ذكره : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣))
__________________
(١) تتجلى براعة القشيري في التقاط نماذج من القصص تخدم فكرته العامة بخصوص تأميل العصاة ، وإفساح باب التوبة أمامهم ... على عكس بعض الباحثين الذين لا يهمهم إلا التخويف والتبشيع ، والتهويل والإقناط.