أن يجمعهم كلّهم على الفساد والعناد لم يكن دافع ـ وإذا لاشين منه. وحيث خلقهم مختلفين ـ على ما أراد ـ فلا مبالاة بهم .. إنه إله واحد جبّار غير مأمور ، متول جميع الأمور ؛ من الخير والشر ، والنفع والضر. هو الذي يحيى النفوس والقلوب اليوم وغدا ، ويميت النفوس والقلوب اليوم وغدا (١) .. وهو على كل شىء
قوله جل ذكره : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠))
(فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) : أي إلى كتاب الله ، وسنّة نبّيه صلىاللهعليهوسلم ، وإجماع الأئمة ، وشواهد القياس. والعبرة بهذه الأشياء فهى قانون الشريعة ، وجملتها من كتاب الله ؛ فإنّ الكتاب هو الذي يدلّ على صحة هذه الجملة (٢).
ويقال : إذا لم تهتدوا إلى شىء وتعارضت منكم الخواطر فدعوا تدبيركم ، والتجئوا إلى ظلّ شهود تقديره ، وانتظروا ما ينبغى لكم أن تفعلوه بحكم تيسيره (٣).
ويقال إذا اشتغلت قلوبكم بحديث أنفسكم ؛ لا تدرون أبا لسعادة جرى حكمكم أم بالشقاوة مضى اسمكم؟ فكلوا الأمر فيه إلى الله ، واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكّر فيما ليس لكم سبيل إلى علمه عن عواقبكم.
قوله جل ذكره : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١))
خلق لكم من أنفسكم «أزواجا : أي أشكالا ؛ فخلق حواء من آدم وخلق
__________________
(١) الإحياء والإماتة اليوم مرتبطان بالمعاني الصوفية من صفاء وكدورة ونحو ذلك.
(٢) هذا ردّ على من يتهمون الصوفية بعدم الاحتفال بالمصادر الأساسية للشريعة ، فضلا عن أننا نشعر باهتمامهم بالجانب العقلي حين يبرزون «القياس» كمصدر من مصادر التشريع.
(٣) وهذا المصدر الأخير خاصة بالسادة الأولياء الأصفياء ـ يهمنا أمره حين ندرس مصادر الفقه الصوفي.