لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟
إنه وإن كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي ، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك ، وليس أبو عبيدة منفردا به ، قال الرازي بعد عبارته السابقة : « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم ، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين ـ.
إحداهما : إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة ، فنقول : أن أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضا : الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى ، واستشهدوا ببيت لبيد ، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق ، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ، والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلا غير مسند ، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة ، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية ، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى : ( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ). والقلب بالعقل في قوله ( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ). مع أن ذلك ليس لغة أصلية ، فكذلك ههنا » (١).
لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة ، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير ، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير ، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة ـ وهو الرازي ـ يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.
وأما قول الرازي : « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جدا. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلاّ بتنصيصات أئمة اللغة ، فإن
__________________
(١) نهاية العقول ـ مخطوط.