نفسها : ( وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) فلو كانت تلك الآية الكريمة دالة على رفع العذاب على الإطلاق ، للزم التناقض بينها وبين هذه الآية المتصلة بها.
ومن هنا قال الرازي : « واعلم أنه تعالى بيّن في الآية الأولى أنه لا يعذّبهم ما دام الرسول فيهم. وذكر في هذه الآية أنه يعذّبهم. وكأن المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم : لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر ، وقيل بل يوم فتح مكة » (١).
ثم قال : « وأيضا ، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل ، ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ... » وهذا قياس فاسد ، إذ كيف يقاس تعذيب رجل واحد بتعذيب جماعة كبيرة جاءت لهدم الكعبة وإبادة خدّامها ومن حولها؟! إن تلك الواقعة مما تتوافر الهمم على نقله ، بخلاف واقعة تعذيب رجل واحد ، فإنّ توفر الدواعي على نقله ممنوع ، وإلاّ لزم بطلان جميع المعاجز النبوية التي لم تنقل إلينا بالتواتر.
وأيضا ، لقد كانت الدواعي متوفرة على إخفاء قصة الحارث بن النعمان ، بخلاف قصة أصحاب الفيل. فانقطع القال والقيل.
وأما قوله : « وأيضا ، فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني الإسلام الخمس ، وعلى هذا فقد كان مسلما لأنه قال : فقبلناه منك ومن المعلوم
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ / ١٥٩.