كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضا في خطبته ، إذ قال :
« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين ، والفضلاء المحققين ، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين ، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره ، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه ، نقلا وعقلا وأخذا واجتهادا ، فتباعدت مطامح همّاتهم ، وتباينت مواقع نياتهم ، وتشعّبت مسالك أقدامهم ، وتفننت مقاطر أقلامهم ، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز ، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم ، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل ، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل ، إلاّ من عصمه الله وإنه لقليل ، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين ، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج ، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.
وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة ، كما اشتهر ـ بحمد الله تعالى ومنّه ـ فيما بين أهل الزمان ، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان ، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان ، وطالما طالبني بعض أجلّة الإخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشارا عندهم بالبنان في البيان ، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم ، أن أجمع كتابا في علم التفسير مشتملا على المهمّات ، مبنيّا على ما وقع إلينا من نقل الإثبات وأقوال الثقات ، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين ، جعل الله تعالى سعيهم مشكورا