.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن لا يخفى أنّ إرادة ذلك من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر لا يناسب تعظيم الصلاة وحثّ المؤمنين على المواظبة عليها لكي لا تضيع ولو في وقتها ، بل الظاهر أنّ المراد من النهي ، المنع الخارجي المترتّب على المواظبة عليها والإتيان بما هو حقّها ، فإنّ الإتيان بها كذلك يقتضي أن لا ينقدح للمؤمن داع نفساني إلى السوء والمنكر ، نظير إسناد الأمر بالسوء والفحشاء إلى الشيطان في مثل قوله سبحانه : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ)(١) ، و (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢).
وبتعبير آخر : ترتّب الامتناع عن السوء على الصلاة إنّما هو في مرحلة امتثال الأمر بها ، حيث إنّ العبد إذا امتثل الأمر بها ، بالتدبّر بالقراءة والأدعية والأذكار المشروعة في أفعالها ، والتعمّق في الخشوع بها الوارد في الروايات بأنّ ذلك روحها تحصل للنفس حالة ترتقي بها عن الانحطاط المناسب للشرور والقبائح ، وبوصولها إلى بعض مراتبها الكمالية ، لا يحصل لها الداعي إلى ارتكاب الفحشاء والمنكرات الشرعية ويختلف هذا باختلاف مراتب الارتقاء الحاصل بمراتب الامتثال في الصلاة.
والحاصل إنّ منع الصلاة عن الفحشاء والمنكر ، إنّما هو لارتقاء النفس بها في بعض مراتب الامتثال ، الملازم لعدم ميل النفس إلى الشرور والقبائح ، أو لعدم تماميّة الداعي له إليها ، فيكون للصلوات الصحيحة جهة جامعة في مقام الامتثال ، وهي كون محتوى الأفعال والأذكار والقراءة والأدعية المشروعة فيها موجبة لتذكّر
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٦٨.
(٢) سورة البقرة : الآية ١٦٩.