فإن رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل ، وأدلة جواز التقليد إنما دلت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم كما لا يخفى ، وقضية مقدمات الانسداد ليست إلّا حجية الظن عليه لا على غيره ، فلا بد في حجية اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد وغير دليل الانسداد
______________________________________________________
مقتضى ما استفدناه من الروايات المشار إليها سابقا ، وقلنا باستمرار سيرة المتشرعة على ذلك في الجملة حتى من زمان المعصومين عليهمالسلام حيث ما يستنبطه المجتهد وهي الكبرى الكلّية من الحكم الشرعيّ في الواقعة لا تختص بالمستنبط ، بل قد لا يكون داخلا في موضوع تلك الكبرى ، وهذا فيما كان المجتهد انفتاحيّا ظاهر ، وأمّا إذا كان انسداديّا فقد استشكلوا في جواز الرجوع إليه ، فإنّه إذا كان المجتهد انسداديّا على مسلك الحكومة ، فلا يكون عالما بالحكم الشرعيّ الفرعيّ في معظم الوقائع ، بل يكون كالعاميّ جاهلا به ، غاية الأمر ظنّه أي إطاعته الظنيّة مجزية ، حيث يستقلّ العقل بأنّه لا يصحّ للشارع مطالبته ولا مطالبة غيره في تلك الوقائع بأزيد من الطاعة الظنيّة ، كما لا يجوز للمكلّف الاقتصار على ما دون الإطاعة الظنيّة ، وأدلّة جواز التقليد مقتضاها رجوع الجاهل بالحكم الشرعيّ في الوقائع إلى العالم به.
وعلى الجملة مقتضى تلك الأدلّة بجواز تعلّم العاميّ الأحكام الشرعيّة من العالم بها ولا تفيد الرجوع إلى هذا المجتهد ، وأيضا فقضيّة مقدّمات الانسداد جواز الاقتصار بالطاعة الظنيّة وعدم جواز الاقتصار بدونها ، وهذا في حقّ من يتمّ في حقّه مقدّمات الانسداد ، ولا تتمّ في حقّ العاميّ ؛ لأن له طريقا آخر إلى الأحكام الشرعيّة في الوقائع التي يبتلى بها ، وهو فتوى المجتهد الذي يرى انفتاح باب العلم فيها ، بل لا يجرى في حقّ العاميّ ما هو من مقدّمات الانسداد وهو عدم لزوم الاحتياط في الوقائع بمقتضى علمه الإجمالي بثبوت التكاليف في جملة من الوقائع التي يبتلي أو يحتمل ابتلاءه بها. نعم إذا لم يكن في البين مجتهد انفتاحي وتمكّن العاميّ من إحراز