كان حقا خرجنا إليهم ، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين ، فمرا به في البرية فأصابهم عطش فمات أحد الدليلين ، وكتب مسلم الى الحسين يستعفيه ، فكتب إليه الحسين : أن امضى الى الكوفة ، فخرج حتى قدمها ، ونزل على رجل من أهلها يقال له ابن عوسجة (٣٥٧) قال : فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دبوا إليه فبايعوه ، فبايعه اثنا عشر الفا. قال : فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية الى النعمان بن بشير فقال له : إنك ضعيف أو متضعف ، قد فسد البلاد ، فقال له النعمان : أن اكون ضعيفا ، وأنا في طاعة الله أحب إلي من أن اكون قويا في معصية وما كنت لأهتك سترا ستره الله.
فكتب بقول النعمان الى يزيد فدعا مولى يقال له : سرجون ـ وكان يستشيره ـ فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا؟ قال : نعم ، قال : فاقبل مني فانه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد ، فولها اياه ـ وكان يزيد عليه ساخطا ، وكان همّ بعزله عن البصرة ـ فكتب إليه برضائه ، وانه قد ولاه الكوفة مع البصرة ، وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده.
قال : فاقبل عبيد الله في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ، ولا يمر على مجلس من مجالسهم فيسلم إلا قالوا : عليك السلام يا ابن بنت رسول الله ـ وهم يظنون انه الحسين بن علي (ع) ـ حتى نزل القصر فدعا مولى له فاعطاه ثلاثة آلاف وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع له أهل الكوفة فاعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه إليه ليتقوى ، فلم يزل يتلطف ويرفق به ، حتى
__________________
(٣٥٧) المعروف بين المؤرخين ان مسلم أول ما نزل في دار المختار.