ظاهرة نلاحظها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهمالسلام متمثلة بالامام الجواد وثانياً بولده الامام الهادي عليهماالسلام ، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس ، ولا يقع في دائرة الإمكان الا أن يكون المعني محاطاً بالعناية الالهية وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي الذي جعل عيسى بن مريم عليهماالسلام يتكلم في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره ، وجعلت يحيى بن زكريا عليهماالسلام نبياً وهو في بواكير الصبا.
روى الصفار بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي ، قال : « سمعت أبا الحسن العسكري عليهالسلام يقول : اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، وإنما كان عند آصف حرف واحد فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان عليهالسلام ، ثم انبسطت له الأرض في أقل من طرفة عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف واحد عند الله تعالى مستأثر به في علم الغيب » (١).
وكان الامام الهادي عليهالسلام أبرز المعاصرين له في العلم والمعرفة والتقوى والعبادة والوجاهة والقيادة والريادة ، ولقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرق في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الاسلامية ومسائل العقائد المختلفة ، حتى ان المتوكل العباسي وهو ألدّ أعدائه كان يرجع إلى رأي الامام عليهالسلام في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره ، مقدماً رأيه عليهالسلام على آرائهم ، وكانوا يرجعون إليه في كل معضلة ، ويلجأون إليه في كل مأزق ، وأمرهم في ذلك مشتهر حتى أذعن سائر العلماء المعاصرين له ممن ناظرهم بتفوقه العلمي ، ولو رأوا أدنى قصور في ذلك لأظهروه سيما وان من حوله يحاولون الكيد له ويتربّصون به وبأصحابه ، ولذلك شواهد كثيرة تدل
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٢٣١ / ٣.