المالك أن على الحاجة رقيباً لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور ، وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه ، وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك ، فلما صار العبد إلى السوق ، وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها ، وجد عليها مانعاً يمنع منها إلا بشراء ، وليس يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائباً بغير قضاء حاجته ، فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه ، أليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه ، وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضاً من عروض الدنيا ، ولم يملكه ثمن حاجته ، فإن عاقبه عاقبه ظالماً متعدياً عليه مبطلاً لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة ، تعالى عما يقولون علواً كبيراً.
فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ، ونسبه إلى الجور والعدوان ، إذ أوجب على من أجبره العقوبة ، ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة ، ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب ، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) (١) ، وقوله : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) (٢) ، وقوله : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٠.