أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه ، فملكه من ماله بعض ما أحب ، ووقفه على أمور عرفها العبد ، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ، ونهاه عن أسباب لم يحبها ، وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها ، والمال يتصرف في أي الوجهين ، فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه ، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه.
وأسكنه دار اختبار ، أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار ، وأن له داراً غيرها ، وهو مخرجه إليها ، فيها ثواب وعقاب دائمان ، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به ، جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها ، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه ، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود.
وقد حد المولى في ذلك حداً معروفاً وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الاولى ، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد ، على أنه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الأوقات كلها ، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى إلى أن يستتم سكناه فيها ، فوفى له ، لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة ، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب؟ وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيماً دائماً في دار باقية دائمة.
وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه ، وخالف أمر مولاه ، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها ، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء