وثانياً ـ النقض بسائر موارد التعارض بين الأدلة ـ كما في التعارض بنحو التباين بين وجوب شيء وحرمته ـ فإنه لا يقال فيها بالتزاحم الملاكي ، مع أن البيان المذكور جار فيها أيضا.
وكأن المحقق العراقي ـ قده ـ الّذي حاول أيضا إحراز الملاك في المجمع بنفس البيان المتقدم ، قد تفطن إلى ورود هذا النقض فصاغ مرامه بنحو آخر وحاصله : أن الخطاب كما يتكفل طلب الفعل أو الترك كذلك يدل بالالتزام على الردع من نقيضه ، وكما أن المدلول الأول يكشف إنا عن وجود الملاك ومبادئ الطلب فيما تعلق به كذلك المدلول الثاني يكشف عن سلب جميع مباديه عنه ، فتتشكل لكل خطاب مداليل أربعة بحسب النتيجة فإذا ورد الخطابان المتعارضان على مادة واحدة كما في أكثر موارد التعارض البحث مثل ( صلّ ولا تصلّ ) وقع التعارض بين المداليل الأربعة جميعاً ، لأن كلا منهما كما ينفي المدلول المطابقي للآخر كذلك ينفي المدلول الالتزامي له من اشتماله على الملاك ومبادئ الحكم ، ولذلك لا يبقى ما نحرز به الملاك. وأما إذا ورد الخطابان على عنوانين مختلفين ، كما في موارد الاجتماع من قبيل ( صل ولا تغصب ) فإن فرض أن الغصب والصلاة عنوانان متباينان لا يوجد بينهما جزء مشترك لم يكن تعارض بين المدلول الالتزامي للخطابين ، إذ غاية ما يقتضيه كل منهما سلب مبادئ الحكم عن نقيض عنوانه وهو غير العنوان الآخر ، وإن فرض وجود جزء مشترك بينهما فيكون طلب أحدهما مقتضياً سلب المبادئ عن نقيض ذلك المجموع لا نقيض كل جزء ، فلا ينافي ثبوتها في المجموع الآخر (١). وبهذا فصل بين صورة تعلق الخطابين بموضوعين مستقلين يكون أحدهما بحسب العنوان غير الآخر فيجري في مثله التزاحم الملاكي ، وبين صورة تعلق الخطابين بعنوان واحد فلا محيص من إجراء حكم
__________________
(١) نقل بتصرف من المقالات ، الجزء الأول ، ص ١٣١.