إلى أن يتقوا أيضا من المسلمين والرّأي العام عندهم ، فلا يصدر منهم ما يتحدى معتقدات العامة ويخالف مرتكزاتهم وموروثاتهم الدينية التي تدخلت في نشأتها عوامل غير موضوعية كثيرة في ظل الأوضاع التي حكمت المسلمين في تلك الفترة من التاريخ.
فإن المتتبع لحياة الأئمة عليهمالسلام يلاحظ أنهم كانوا حريصين كل الحرص على كسب الثقة والاعتراف لهم بالمكانة العلميّة والدينية المرموقة من مختلف الفئات والمذاهب التي نشأت داخل الأمة الإسلامية ، وإن كلفهم ذلك بعض التنازلات والتحفظات ، لكي يستطيعوا بذلك أداء دورهم الصحيح ، وتمثيل ثقلهم التشريعي والمرجعي الّذي تركه لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأمة في الوقت الّذي يحفظون به أيضا على حياتهم وحياة أصحابهم المخلصين ، وهذا هو السبب فيما يلاحظ في أحاديثهم من الاعتراف في كثير من الأحيان بالمذاهب الأخرى وفتاوى علمائها ، فيعددون أن فتوى أهل العراق كذا ، وفتوى أهل المدينة كذا ، وهكذا ، رغم أنهم لا يرون صحتها ، ولكنهم يقصدون من وراء ذلك عدم تحدّي تلك المذاهب التي راجت وشاعت بين فئات من الأمة يعتدّ بها ، في الوقت الّذي يسجلون فيه خطأها ومخالفتها مع ما هم أدرى وأعرف من غيرهم به.
وكذلك ما يلاحظ في بعض الأحيان من أنهم يحرصون على نسبة ما يفتون به ورفعه إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسنداً عن آبائهم عليهمالسلام ، فلو لا أنهم كانوا يراعون المذاهب الأخرى لقطع الحجة عليهم كان يكفي مجرد ذكر الحكم الشرعي وبيانه لشيعتهم في الأخذ به. وهكذا نستطيع أن نفسر ظاهرة التقية في أحاديث أئمتنا عليهمالسلام بما يتضح معه السبب لشيوعها بين الروايات الصادرة عنهم ، مع أن أكثرها تتكفل مسائل فقهية بعيدة عن شئون الخلافة الإسلامية وما يرتبط بالخلفاء آنذاك ، وقد بلغ الأمر بالأئمة عليهمالسلام في التقية لا من الحكام فحسب بل من الأمة بصورة آكد أن جعلوا مخالفة العامة مقياساً لترجيح إحدى الروايتين