الثقة لا تنافي بينهما ، ولكن اعتبار خبر الواحد الثقة مع إطلاق اعتبار التعدد في خبر العدل ـ أي وإن كانا ثقتين ـ متنافيان.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه مع اعتبار خبر العدل الواحد ، أو خبر الواحد الثقة لا يبقى لاعتبار التعدّد وحجية البينة مجال ، فمن دليل حجية البينة واعتبارها يستكشف عدم اعتبار خبر العدل الواحد ، أو خبر الواحد الثقة ، فتكون رواية مسعدة رادعة للسيرة وبناء العقلاء على فرض تحققها.
هذا ، مضافا إلى خبر عبد الله بن سليمان ، المروي في الكافي والتهذيب ، في الجبن : « كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة » فجعله عليهالسلام غاية الحلية مجيء شاهدين يشهدان أن فيه ميتة ، يدل على عدم كفاية مجيء شاهد واحد ولو كان عدلا أو ثقة (١).
وخلاصة الكلام : أن اعتبار التعدد كما في البينة مع عدم اعتبار التعدد كما في خبر العدل الواحد ـ أو خبر الثقة الواحد كما هو ادعاء الطرف ـ مما لا يجتمعان ، إذ هما متناقضان.
اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار خبر العدل الواحد وخبر الثقة الواحد في كون الميتة في الجبن ، وهو لا يخلو ـ مضافا إلى بعده ـ من الغرابة.
وأما الأخبار التي استدلوا بها على حجية الخبر العدل الواحد وخبر الثقة الواحد :
فمنها حسنة حريز ـ أو صحيحته ـ المروية في الكافي ، وفيها بعد ما وبخ الصادق عليهالسلام ابنه إسماعيل في دفعه دنانير إلى رجل شارب الخمر بضاعة ليعامل بها ويعطي مقدارا من النفع لإسماعيل ، فأتلف النقود ذلك الرجل ، قال عليهالسلام له : « لم فعلت ذلك ولا أجر لك؟ » فقال إسماعيل : يا أبت إني لم أره يشرب الخمر ، إني سمعت الناس
__________________
(١) تقدم تخريجه في ص ١٧ ، رقم (١).