وأمّا الإشكال على ثبوت المال في ذمّة الجاعل قبل العمل بأنّ العقد جزء السبب ، والجزء الآخر هو العمل ، ولا يمكن وجود المسبّب عند وجود أحد جزئي السبب دون الجزء الآخر كما هو المفروض في المقام.
ففيه : أنّ ما نحن فيه ليس من باب الأسباب والمسبّبات التكوينيّة ، بل من باب الحكم والموضوع فيمكن جعل الحكم على الموضوع الكلّي قبل أن يوجد له مصداق في الخارج ، كما قلنا في الوقف على الأولاد قبل وجودهم بناء على أنّ الوقف تمليك ، غاية الأمر ليست الملكيّة طلقا بل مقيّدة بأن لا تباع ولا تورث.
وما قلنا بناء على أن يكون جعل الجعل في الجعالة أو السبق في السبق والرماية على نحو القضية الحقيقيّة ، وأمّا لو كان على نحو القضايا الخارجيّة فلا سبيل إلى ثبوت الملكيّة قبل العمل ، وحيث أنّ الظاهر أنّ الجعل على نحو القضيّة الحقيقيّة وعلى هذا الأساس بنينا جريان الاستصحاب فيما إذا شكّ بعد الفسخ في لزومها ، فلا مانع من ضمان مال الجعل حتّى قبل الشروع في العمل ، فضلا عن صحّته بعد الشروع قبل إتمام العمل.
ولا يتوهم أنّ ما أشكلنا ـ من أنّه لو كان الجعل بنحو القضيّة الحقيقيّة فمفادها أنّه إذا وجد في الخارج فرد وكان مصداقا لذلك الكلّي يكون محكوما بحكم ذلك الكلّي ـ يأتي هاهنا ، وفي الوقف على الأولاد والذريّة الأمر كذلك ، فما لم يوجد مصداق للأولاد والذريّة لا يتّصف بالمالكيّة ، فهاهنا أيضا ما لم يوجد شخص يردّ الضالّة لا تشتغل ذمّة الجاعل بشيء.
وذلك من جهة أنّ عنوان رادّ الضالّة ، أو عنوان من يردّ الضالّ صار مالكا ، ولكن أفراد هذا العنوان لا يثبت لهم الملكيّة إلاّ بعد وجودهم وصيرورتهم مصداقا خارجيّا لذلك العنوان ، وهذا لا ينافي اشتغال ذمّة الجاعل للعنوان ، فيصحّ أن ينقل الضامن عن الجاعل ما على ذمّة الجاعل إلى ذمّته.