يصحّ بكلّ لفظ من أيّ لغة دلّ دلالة صريحة واضحة على إنشاء ذلك المعنى عن قصد وإرادة ، أي تمليك مال عينا كان أو منفعة بعد الوفاة لشخص أو أشخاص ، أو لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات والفقراء والطلاّب.
وذلك من جهة أنّ الإنشاء بدون القصد ، أو القصد بدون الإنشاء لا أثر له ، فلو قال : أعطوا فلانا بعد وفاتي كذا مقدار من مالي ، أو قال : لفلان كذا مقدار من مالي بعد وفاتي فلا إشكال في صحّة مثل هذه الوصيّة في صورة وجود الشرائط المقرّرة عند الشرع للموصي من البلوغ والعقل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأمّا لو قال : أوصيت لفلان بكذا ، بدون ذكر « بعد وفاتي » فهل يكون صريحة في الوصيّة باعتبار ظهور لفظ الوصيّة في هذا المعنى أم لا ، بل يحتاج إلى ذلك التقييد في إفادة التمليك بعد الوفاة الذي هو حقيقة الوصيّة؟
الظاهر عدم احتياجه إلى ذلك التقييد ، من جهة أنّ المناط في باب الإفادة والاستفادة وإلقاء المرادات في المحاورات هو الظهور العرفي ، لا كون المستعمل فيه معنى حقيقيّا أو مجازيّا. وهذه أمور تقرّر في الأصول في باب حجّية الظهورات.
ولا شكّ في أنّ لفظ « الوصيّة » في اللغة وإن كان بمعنى مطلق الإيصاء ، سواء كان إيصاءه بإعطاء مال أو شيء آخر ، لشخص أو أشخاص آخرين أو لعنوان من العناوين ، في حال حياته أو بعد وفاته ، من ماله أو من مال من أوصى إليه أو غيرهما.
ولكن عند العرف ـ خصوصا في هذه الأزمان التي مرّ عليها مئات من السنين عن زمان تشريعها في الكتاب العزيز بقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١) ـ لها ظهور في هذا المعنى المذكور الذي عرّفوها به ، أي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، فإذا كان كذلك فلا ينبغي المناقشة في صحّة الإيجاب ووقوعه بلفظ « أوصيت لفلان
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٧٧.