ففيه : أنّ القبول جزء السبب ، والسبب عبارة عن الإيجاب والقبول ، ولكن تأثير هذا السبب مشروط بشرط وهو الموت ، بل مفاد هذا السبب هي الملكيّة بعد الموت ، فتأخّر وجود المسبّب عن السبب ليس لتخلّفه عنه ، بل مفاد السبب هي الملكيّة المتأخّرة.
وذلك كما أنّ الإجارة يصحّ أن يكون فيها زمان ملكيّة المنفعة متأخّرا عن زمان عقدها إجماعا ـ أي من زمان إيجابها وقبولها ـ فليكن في الوصيّة أيضا كذلك ، فظهر أنّه لا مانع من تأثير القبول حال الحياة في تماميّة العقد وصحّته ، وإن كان المنشأ بالعقد لا يوجد إلاّ بعد الوفاة.
ثمَّ إنّه استشكل جامع المقاصد (١) أيضا على تأثير القبول حال حياة الموصي بأنّه لو كان القبول قبل الوفاة مؤثّرا لكان ردّه أيضا مؤثّرا ، والمشهور ذهبوا إلى عدم تأثير الردّ في حال الحياة.
وفيه : أنّ تأثير القبول في حال الحياة من جهة وقوعه بعد الإيجاب وهما ركنا العقد ، فإذا وجد الركن الأوّل في محلّه وصحيحا فتصل النوبة إلى الركن الثاني أي القبول ، ويقع في محله من جهة أنّه مطاوعة ذاك الإيجاب.
وأمّا عدم تأثير الردّ من جهة أنّ الوصيّة تمليك مال أو منفعة بعد الوفاة ، فالمناط في ردّه هو الردّ في ظرف وقوع التمليك ، فإذا لم يكن تمليك في البين فلا أثر للرّد مع قبوله في ظرف التمليك.
نعم لو ردّ في حال الحياة وبقي رادّا مستمرّا إلى ما بعد الوفاة يؤثّر الردّ. والحاصل : أنّه لا ملازمة بين تأثير القبول وتأثير الردّ.
وأمّا ما أورد على تأثير القبول في حال حياة الموصي بأنّه لو كان كذلك لما كان يعتبر قبول الوارث ولا ردّه لو مات الموصى له قبل موت الموصي وقد قبل أي الموصى
__________________
(١) « جامع المقاصد » ج ١٠ ، ص ١٠.