هذا هو المشهور بين الأصحاب وجوّز ابن إدريس (١) وصيّته إذا كان عقله ثابتا ، واحتجّ بأنّه عاقل رشيد فينفذ وصيّته كغيره ، وبعموم النهي عن تبديل الوصيّة.
وقال العلاّمة في المختلف : لا بأس بالذهاب إلى قول ابن إدريس حيث قال : ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده كان وجها وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة ، بمعنى أنّ عدم القبول في الرواية فيما إذا كانت حياته بواسطة الجرح أو شرب السمّ أو نحوهما غير مستقرّة. (٢)
وأنت خبير بأن لازمه أنّ المريض إن صارت حياته غير مستقرّة فلا تنفذ وصيّته ، ولا يمكن القول بذلك مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا الكلام غير صحيح في حدّ نفسه ، لأنّ هذا الجريح غير المستقرّ حياته عاقل بالغ رشيد ، فتكون وصيّته مشمولة للأدلّة الدالّة على وجوب تنفيذ الوصيّة التي منها قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٣) ولم يفرق بين مستقرّ الحياة وغيره ، وتخصيص هذا العامّ يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.
وربما يقال : إنّ غير مستقرّ الحياة في حكم الميّت ، فلا يجري في حقّه الأحكام الجارية على الأحياء ، ويقاس بعدم ورود التذكية على الحيوان غير مستقرّ الحياة.
وفيه : أنّ كون الحيّ في حكم الميّت يحتاج إلى دليل ، وفي المقام لا دليل عليه.
والحاصل : أنّ كلمات هؤلاء الأساطين ـ مع وجود رواية صحيحة صريحة في عدم جواز وصيّة من قتل نفسه إذا كان متعمّدا في إيجاد سبب موته لكي يموت ، وكان إيجاد سبب موته قبل أن يوصى ـ اجتهادات في مقابل النصّ الصحيح الصريح المعمول به عند الأصحاب والمشهور بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع. ومثل هذا مخالف
__________________
(١) « السرائر » ج ٣ ، ص ١٩٧.
(٢) « مختلف الشيعة » ج ٦ ، ص ٣٢٨.
(٣) البقرة (٢) : ١٨١.