وأمّا الحاكم الشرعي وإن كان له الولاية على مطلق القاصرين الذين ليس لهم وليّ من الأب والجدّ من طرف الأب لأنّه وليّ من لا وليّ له من باب الحسبيّات ـ أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها ـ وليس عن قبل الشارع من عيّن لتصدّيها ، فمثل هذه الأمور هو القدر المتيقّن أنّ تصدّيها وظيفة الحكّام والفقهاء ، بحيث لو لم يكن مجتهد مطلق عادل في البين تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.
لكن كلّ ذلك من وظائفه حال حياته ، وأمّا بعد مماته يكون وظيفة سائر مصاديق هذه الطبيعة ، أي طبيعة مجتهد المطلق العادل.
فبناء على هذا ليست له الوصيّة بالولاية بأن يقول : اجعلوا فلانا قيّما على أطفال فلان بعد مماتي ، لعدم ولايته عليهم بعد مماته ، لرجوع أمرهم بعد موته إلى غيره من المجتهدين والحكّام.
وأيضا ما قلنا من أنّ للأب والجدّ من قبله الوصيّة بالولاية على صغارهما ، هذا يكون لكلّ واحد منهما مع فقد الآخر ، وإلاّ فمع وجود الآخر لا تصحّ ، لأنّه مع وجود الآخر يكون هو الوليّ منفردا أو بالاستقلال ، ولا يجوز مزاحمته من قبل أحد.
نعم الولاية المطلقة على الأموال والأنفس بحيث ينفذ حكمه على كلّ أحد هو للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأولاده الطاهرين المعصومين. وما قلنا من أنّ مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال الغير أو نفسه وإن كان صحيحا ، ولكن خرج من تحت هذا الأصل بالأدلّة القطعيّة تصرّفات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
قال الله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٢)
__________________
(١) الأحزاب (٣٣) : ٦.
(٢) الأحزاب (٣٣) : ٣٦.