ولصريح آية النبإ التي أمر الله تعالى فيها بالتثبّت والتبيّن عمّا أخبره ، وعدم قبول قوله.
ففيه : أنّ الموصي ما دام حيّا والروح في بدنه ، له أن يتصرّف في ماله كيفما شاء ، ولذلك له أن يتصرّف فيه في مقدار الثلث بأيّ نحو أراد ، ما لم يكن التصرّف في المحرّمات من التصرّفات التي لا يجوز له حال الحياة.
وأمّا أنّ تصرّفه بلحاظ ما بعد الموت تصرّف في ملك الغير أو في حقّه فمغالطة واضحة ، لأنّه لا ينتقل إلى الورثة المال الذي لم يتصرّف فيه كي يكون تصرّفه في ملك الورثة ، بل انتقل إليهم المال الذي وقع فيه التصرّف بهذا القيد.
وذلك نظير أنّ المالك آجر ماله واستوفى المنفعة التي لسنين ثمَّ بعد ذلك باعه ، فينتقل إلى المشتري مال مسلوب منفعة وإن كان زمان حصول المنفعة بعد زمان انتقاله إلى المشتري ، وذلك من جهة أنّه قبل البيع له السلطنة على ماله عينا ومنفعة إلى الأبد ، ولذلك يجوز له التصرّفات المعيّنة للعين أو المنفعة إلى الأبد.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحقق أجاد في مقام تعليل عدم اعتبار العدالة بقوله : ولأنّها ولاية تابعة لاختيار الموصي فتحقّق بتعيينه. (١) كما أنّ للمالك أن يوكل من يريد ويستودع عنه من يريد ، عادلا كان أم لا.
وهناك قول ثالث اختاره في المسالك (٢) وهو أنّ العدالة ليست بشرط ولكن ظهور الفسق مانع ، فلو كان ظاهر الفسق ومعلوم الحال أنّه فاسق لا يجوز جعله وصيّا ، وأمّا لو كان مجهول الحال ولا يعلم فسقه بحيث أنّ من نسب إليه الفسق وقال إنّه فاسق يعزّر ، فيجوز أن يوصى إليه ويجعله وصيّا.
ومن المحتمل أن يكون مراده من ظهور الفسق عليه أن يكون متجاهرا بالفسق ، ففرّق بين الفاسق الواقعي والمتجاهر بالفسق ، فجوّز جعله وصيّا في الأوّل ، ومنع
__________________
(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٢٥٥.
(٢) « المسالك » ج ١ ، ص ٤١١.