أمّا الفعل الخارجي التكويني الذي جعله الشارع موضوعا لحكم من الأحكام ـ كباب الجنايات التي جعل الشارع لها الدية أو لزوم إعطاء الأرش ، أو جعله الشارع موضوعا لوجوب إعطاء الكفّارة ـ فلا دخل لها بما هو محلّ بحثنا ، بل رفع الحكم فيها يحتاج إلى تقييد في دليلها أو تخصيص فيه ، وحيث لا تقييد ولا تخصيص في البين فيجب إعطاء الكفّارة فيما تجب فيها والأرش والدية فيما يجب فيه الأرش أو الدية.
وخلاصة الكلام هو أنّ البحث في أنّه إذا صدر من المريض عقد أو إيقاع يكون تبرّعا ابتداء أو يكون متضمنا للتبرّع كالعقود المحاباتيّة أو الإيقاع كذلك ، فهل ينفذ من الأصل أو لا ينفذ إلاّ في خصوص الثلث كالوصيّة؟
وإن شئت قلت : إنّ محلّ النزاع والخلاف هو أن يكون مالا موجودا للمريض من عين أو منفعة أو دين أو حقّ ماليّ ، ففي عالم الاعتبار التشريعي لو نقله إلى غيره بلا عوض أو بعوض أقلّ أو أبرأ ذمّة من في ذمّته أو أسقط حقّه المالي الموجود ، فهل ينفذ مطلقا ، أو لا بل ينفذ في مقدار الثلث ، أمّا الزائد عليه فنفوذه موقوف على إجازة الورثة؟
نعم لو اشتغل ذمّته لشخص بعقد أو إيقاع ، بحيث يكون ملزما بأدائه من المال الموجود عنده بدون عوض والظاهر كونه داخلا في محلّ الكلام.
وأمّا إذا ضمن بعقد الضمان ما في ذمّة زيد مثلا ، خصوصا إذا كان زيد معسرا يتعذّر عليه أداء عوض الضمان ، فهل داخل في محلّ البحث ، أم لا؟ فيه وجهان :
من حيث أنّ الضمان عقد موجب لاشتغال ذمّة الضامن بعوض مثله في ذمّة المضمون عنه ، فليس من عقود التبرّعات ولا المعاوضة المحاباتيّة ، فيكون خارجا عن محلّ النزاع.
ومن حيث أنّ المضمون له لو كان معسرا يتعذر عليه أداء ما في ذمّته من عوض المضمون به ربما يكون ضررا على الورثة ، فيكون داخلا في محلّ الخلاف والنزاع.