وأمّا القول الثاني ، أي بقاء التخيير الذي كان له قبل الإعطاء إلى ما بعد الإعطاء ، فله أن يصرفه إلى ما شاء منهما. فاختاره فخر المحقّقين في الإيضاح قائلا إنّه تصرّف اختياري له من غير توقّف على اختيار أحد له ، وهو غير موقوف على غير الاختيار والدفع فيفعله متى شاء (١).
وهو غريب ، لأنّه وإن كان غير موقوف على غير الاختيار والدفع أي على شيء آخر غير هذين ، وهو موقوف على هذين فقط.
ولكن أنت خبير بأنّ توقّفه على الاختيار ليس على مطلق الاختيار في أيّ وقت كان ، بل يكون موقوفا على الاختيار حال الدفع ، وإلاّ بعد ما دفع يقع الدفع على ما هو عليه ، ولا يتغيّر الشيء بعد وقوعه عمّا هو عليه وقع.
والأصحّ هو الوجه الأوّل أي التوزيع ، لأنّه مديون لذلك الشخص بدينارين ، وكون أحدهما ذي رهن والآخر فاقده لا دخل له بعالم المديونيّة. فإذا أعطاه في المفروض دينارا فقد أدّى نصف ما عليه من دون ملاحظة خصوصية أخرى ، فقد برئت ذمّته من نصف ما عليه.
وحيث أنّ ذمّته كانت مشغولة بدينار ودينار المتميزان بعنوان آخر غير عنوان الدينيّة ، فبرئت ذمّته من نصف كلّ واحد منهما ، لأنّ كلّ واحد منهما ممّا عليه ، والمفروض أنّ ذمّته برئت من نصف ما عليه ، وهذا عين التوزيع.
وقد ذكر العلاّمة قدسسره في القواعد موارد كلّها من هذا القبيل (٢) ، أي يكون من قبيل التوزيع ، أو بعد الوقوع يصرفه إلى ما شاء.
مثلا من جملة ما ذكره في القواعد : لو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مثلها ووكّلا شخصا يقبض لهما ودفع المديون لزيد أو لعمر وفذاك ، وإلاّ فالوجهان : أي لو أعطى
__________________
(١) « إيضاح الفوائد » ج ٢ ، ص ٤٤.
(٢) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٦٦ ـ ١٦٧.