منكرة ، والسبب فيه أن شرعية القصاص تكون رادعة عن الاقدام على القتل غالبا. ثم لتعلم أن في هذا التنكير فائدة أخرى لطيفة ، وهي أن الإنسان إذا علم أنه اذا قتل قتل ارتدع بذلك عن القتيل فسلم صاحبه ، فصارت حياة هذا الموهوم قتله في المستقبل مستفادة بالقصاص ، وصار كأنه قد حيى في بقي عمره ، ولذلك وجب التنكير وامتنع التعريف من جهة أن التعريف يقتضي أن تكون الحياة قد كانت بالقصاص من أصلها ، وليس الأمر كذلك.
ومثل هذا التنكير قوله تعالى : ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ) وفائدة التنكير أن الحريص لا بدّ وأن يكون حيا ، وحرصه لا يكون على الحياة الماضية والراهنة ، بل على الحياة المستقبلة ، ولمّا لم يكن الحرص متعلقا بالحياة على الإطلاق ، بل بالحياة في بعض الأحوال لا جرم جاءت بلفظ التنكير .. واعلم أن للتنكير في قوله تعالى ـ في القصاص حياة ـ فائدة أخرى : وهي أن الرجل قد يرتدع بالقصاص حتى لا يقدم على القتل ، لكن من الجائز أن لا يكون للانسان عدوّ فيقصد قتله حتى يمنعه خوف القصاص ، وحينئذ لا تكون حياة ذلك الإنسان لأجل الخوف من القصاص ض ، ولما دخل الخصوص في هذه القصة وجب ان يقال حياة ، ولا يقال الحياة ، وكذلك يقال شفاء ، ولا يقال الشفاء في قوله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ) حيث لم يكن شفاء للجميع .. ومن بديع هذا النوع أن أبا جعفر المنصور سأل معن بن زياد أيما أحبّ اليك دولتنا أو دولة بني أمية؟ فقال : ذلك إليك ، ومعناه أن زيادة هذه المحبة ونقصانها بيدك ، لأنها على قدر إحسانك. والفرق بين هذا القسم وبين المقدم وهو أن يكون نقصان اللفظ لأجل احتماله معان كثيرة ، وذلك كاللفظ المشترك أو الذي له مجازات ، أو حقيقة ومجاز إذا أريدت معانيه كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) والصلاة من الله تعالى رحمة ، ومن الملائكة استغفار. وكذلك قوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ