إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ) .. وقال ابن الاثير وهم يرون بالتخصيص في أعمال العام في النفي والخاص في الاثبات مثال ذلك : الحيوانية والانسانية ، فإن اثبات الانسانية يوجب اثبات الحيوانية ولا يوجب نفيها نفي الحيوانية ، وكذلك نفي الحيوانية يوجب نفي الانسانية ، ولا يجب من اثباتها اثبات الانسانية .. ومما يدخل في هذا الباب الأسماء المفردة الواقعة على الجنس الذي يكون الفرق بينها وبين واحدها تاء التأنيث ، فإنه متى أريد النفي كان استعمال واحدها أبلغ ، ومتى أريد الإثبات كان استعمالها في الجنس أبلغ. فالأول هو الخاص والعام نحو قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) ولم يقل بضوئهم ، لأن ذكر النور في حالة النفي أبلغ من حيث أن الضوء فيه الدلالة على النور وزيادة ، فلو قال ذهب الله بضوئهم كان المعنى يعطي نفي تلك الزيادة ، وبقاء ما يسمى نورا ، لأن الإضاءة هي فرط الإنارة دليله قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) فكل ضوء نور ، وليس كل نور ضوأ. والغرض من قوله ـ ذهب الله بنورهم ـ إنما هو ازالة النور عنهم رأسا فهو إذا أزاله فقد أزال الضوء. وكذلك قوله تعالى : ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) ولم يقل أذهب الله نورهم لأن كل من ذهب بشيء فقد أذهبه ، وليس كل من أذهب شيئا ذهب به ، لأن الذهاب بالشيء هو استصحاب له ومضى به ، وفي ذلك نوع احتياز للمذهوب به ، وإمساك له عن الرجوع الى حالته ، والعود إلى مكانه ، وليس كذلك الإذهاب للشيء لزوال معنى الاحتياز ، وهذا كلام دقيق يحتاج إلى زيادة تأمل وإنعام نظر ، فافهمه وقس عليه ما أشبهه ، وبالله التوفيق.