على ما أمرتني به أن أقوله شيئا ، ولكن المعنى أني لم أدع مما أمرتني به أن أقوله شيئا ، ولم يذكر ما يخالفه .. وحكم ـ غير ـ إذا وقع موقع ـ إلاّ ـ حكم الاّ .. وأما ـ انما ـ فالاختصاص فيها يقع مع المتأخر ، فإذا قلت إنما ضرب عمرا زيد ، فالاختصاص في الضارب كما قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) وإذا قلت إنما ضرب زيد عمرا فالاختصاص في المضروب ، وإذا قلت إنما هذا لك فالاختصاص في ـ لك ـ بدليل أنك تقول بعده لا لغيرك وإذا قلت إنما لك هذا فالاختصاص في ـ هذا ـ بدليل أنك تقول بعده لا ذاك.
قال الله تعالى : ( فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ ) فإذا وقع بعدها الفعل فالمعنى أن ذلك الفعل لا يصح إلا من المذكور كقوله تعالى : ( إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) .. وقد يجمع معها حرف النفي إما متأخرا. كقولك إنما جاءني زيد لا عمرو ، وإما متقدما كقولك ما جاءني زيد ، وإنما جاءني عمرو. فهناك لو لم تدخل ـ إنما ـ كان الكلام مع من ظن أيهما جاءك ، وإن أدخلها كان الكلام مع من غلط في الجائي ، ولو قلت إن عمرا جاءني فإن كانت المستغنى عنها فظهرت فائدة دخول ـ ما ـ على ـ إنّ ـ في ـ انما ـ .. واعلم أن موضوع ـ انما ـ أن يجيء في أمر لا يدفع المخاطب صحته كقوله تعالى : ( إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) أو ينزل بعده منزلته كقول الشاعر :
إنما مصعب شهاب من الله |
|
تجلّت عن وجهه الظّلماء |
فادعى كونه بهذه الصفة مما لا ينكره أحد. ومثله قوله تعالى حكاية عن اليهود : ( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) الذي يدعون انهم مصلحون أمر ظاهر معلوم ، فلذلك أكد الأمر في الرد عليهم فجمع فيه بين ـ ألا ـ التي هي للتنبيه و ـ إن ـ التي هي للتحقيق ـ وهم ـ التي هي للتأكيد فقال : ( أَلا