معانيه في ألفاظه ، وحصلت وأحكمت أحكامه ، وأصلت فهو كما قال الله تعالى : ( كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ) قد سلم من حوشي الألفاظ ورذلها ، وتخلص من فظاظة العجمة وثقلها ، وكل كلمة منه حلت محلها وقرنت بمثلها فهو كما قال البحتري :
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت |
|
برقت مصابيح الدّجى في كتبه |
فاللفظ يقرب فهمه في بعده |
|
منّا ويبعد نيله في قربه |
حكم سحائبها خلال بنانه |
|
هطالة وقليبها في قلبه |
كالروض مؤتلفا بحمرة نوره |
|
وبياض زهرته وخضرة عشبه |
وكأنها والسمع معقود بها |
|
شخص الحبيب بدا لعين محبه |
وهذه الأبيات من أحسن ما قيل من التهذيب ، وأبلغ ما نظم في التنقيح والترتيب ويتعين على كل ناظم وناثر أن لا يملي قصيدة ، أو رسالة أو خطبة حتى يتلمحها بعين بصيرته. ويقدح لها زناد فكرته وقريحته ويهذب ألفاظها ويحقق معانيها ، ويحسن مساغها ويؤسس مبانيها كما قيل :
لا تعرضنّ على الرواة قصيدة |
|
ما لم تبالغ قبل في تهذيبها |
فإذا عرضت الشعر غير مهذّب |
|
عدّوه مثل وساوس تهذي بها |