المتوكل إلى الاسلام فأبى ، وأقام لفرط الإباء على مذهب الآباء بعد أن بذل له المتوكل ضروبا من الأنعام ، وصنوفا من الرفعة والإكرام ، وراجعه في ذلك مرة بعد أخرى ، فلم يزده ذلك إلاّ طغيانا وكفرا فغاب عنه مدة ، ثم دخل إلى مجلسه وهو يعلن الاسلام ويدين دينه فقال له المتوكل : أسلمت؟ قال : نعم ، قال ما سبب إسلامك؟ فقال : لما قطعت من عنقي قلادة التقليد ، وصرت من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الاديان ، وطلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة ، فنظرت فيها وتدبرت معانيها وكتبتها بخطي وزدت فيها ونقصت ، ودخلت بها السوق وبعتها ، فلم ينكر أحد من اليهود منها شيئا ، وأخذت الإنجيل وزدت فيه ونقصت ، ودخلت به السوق وبعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئا ، وأخذت القرآن وقرأته وتأملته فإذا : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) كتبت وزدت فيه ونقصت ودخلت به السوق وبعته ، فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع التي زدت فيها ونقصت ، وردوا كل كلمة إلى موضعها ، وكل حرف إلى مكانه فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، فآمنت به وصدّقت ما جاء به.