كان مألوفا ، ثم إن القلب يرتاح له والنفس تنشرح به فلسرعة وصوله الى النفس صار كالماء الذي يسوغ في الحلق وكالنسيم الذي يسري في البدن ويتخلل المسالك اللطيفة ، ولأجل اهتزاز (١) النفس به أشبه العسل الذي يلذ طعمه ويميل الطبع اليه .. هذا المثال أشد حاجة إلى التفسير من تشبيه الحجة بالشمس ، ولكنه مع ذلك غير بعيد عن الفهم ، وأما المتوغل في البعد عن الطبع وشدة الحاجة إلى التأويل فكقول من ذكر بني المهلب هم كالحلقة المفرغة لا ينتهي طرفاها ألا ترى أنه لا يفهم المقصود من ذلك إلا من له طبع يرتفع عن طبع العامة؟ ..
ومن وجوه التشبيه أيضا التشبيه بالوجه المعقول ، وهو عندهم أقوى وأظهر من التشبه بالمحسوس ، لأن تشبيه المحسوس بالمحسوس يمكن أن يكون لأجل الاشتراك في وصف محسوس ويمكن أن يكون لأجل الاشتراك في وصف معقول ويمكن أن يكون لأجلهما جميعا. مثال الأول :تشبيه الخد بالورد. ومثال الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام ايّاكم وخضراء الدّمن الحسن الظاهر القبيح الباطن وهو أمر عقلي. وكذلك تشبيه الرجل النبيه بالشمس ، فإن النباهة صفة عقلية وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام أصحابي كالنجوم المعنى به أنه يهتدى بهم في أمور الأديان كما يهتدى بالنجوم في الليالي المظلمة ، فالشبه في أمر عقلي. ومثال الثالث : تشبيه الشخص الرفيع القدر الحسن الوجه بالشمس. وأما الاقسام الثلاثة أعني تشبيه المعقول بالمعقول ، والمعقول بالمحسوس والمحسوس بالمعقول ، فيمتنع أن يكون وجه المشابهة غير عقلي ، لأن وجه المشابهة لو كان مشتركا بين الجانبين لكان المعقول الموصوف به محسوسا من ذلك الوجه ، وهو محال ، فثبت أن التشبيه بالوصف
__________________
(١) كذا في الأصل ولعله التذاذ فليحرر.