إليها واحدة واحدة ، ثم أن التشبيه منتزع من مجموعها من غير أن يمكن فصل بعضها عن بعض ، فإنك لو حذفت منها جملة واحدة من أي موضع كان أخلّ ذلك بالمغزى من التشبيه .. وقد يقع من التشبيه جمل لا يخل اسقاط بعضها بالتشبيه ، وهي كل جملة جمعت أغراضا كثيرة كل واحد منها منفرد بنفسه ولهذا النوع خاصيتان : الأولى أنه لا يجب فيها الترتيب ، ألا ترى أنك اذا قلت ـ زيد كالأسد بأسا. والبحر جودا. والسيف مضاء. والبدر بهاء ـ لم يجب عليك أن تحفظ في هذه التشبيهات نظاما مخصوصا وهو كقول بعضهم :
يا هلالا يدعى أبوه هلالا |
|
جلّ باريك في الورى وتعالى |
أنت بدر حسنا وشمس علوا |
|
وحسام حزما وبحر نوالا |
ـ الثانية إذا سقط البعض فإنه لا يتغير حال الباقي كقولهم يصفو ويكدر ويحلو ويمر ولو تركت ذكر الكدورة والمرارة لو وجدت المعنى في تشبيهك بالماء في الصفاء والعسل في الحلاوة باقيا على حاله. وقد وقع في بعض الاشعار ما يظن أن فيه تشبيهات مجموعة ، وليس كذلك بل هو تشبيه واحد ، وذلك كقول الشاعر :
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة |
|
فلما رجوها أقشعت وثجلت |
وأما التاسع : فهو في الشرط الذي لا يكون التشبيه حسنا الا به وهو أن يكون التشبيه جليا ويكون بحال يتبادر الذهن إليه وإلى إدراكه ، ولا يحتاج إلى اطالة فكرة ولا إمعان نظر ، فإن الغرض بالتشبيه بيان حسن موقع التشبيه وظهور مزية المشبه بحسن حال المشبه به أو قبحه ، ولذلك هجنوا تشبيه من شبه الشمس بالمرآة في كف الأشل وكتشبيه البرق بإصبع السارق في قول بعضهم :
أرقت أم نمت لضوء بارق مؤتلفا مثل الفؤاد الخافق
كأنه إصبع كف سارق