ويجوز أن يكن المعنى أنهم لما وصفوا ـ بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى ـ عقب ذلك بهذا التمثيل مثّل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد ـ والضلالة ـ التي اشتروها ، وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، ثم قال الله ـ صمّ بكم عمي ـ كانت حواسهم سليمة لكن لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة الى الحق وأبوا أن ينطقوا به بألسنتهم وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم ، جعلوا كأنما أصابت هذه الحواس منهم الآفات ، وهذا من عجائب التشبيه وطريقته عند علماء البيان طريقة قولهم ـ ليوث ـ للشجعان ـ بحور ـ للكرام .. وبعض علماء هذه الصناعة يجعلون ما كان على مثال قوله تعالى : ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) استعارة وليس كذلك لأن المستعار مذكور.
ـ ومن هذا القسم قول الشاعر :
بكيت عليه حين لم يبلغ المنى |
|
ولم يرو من ماء الحياة المكدّر |
ومنه قول المتنبي :
كأن الجفون على مقلتيّ ثياب شققن على ثاكل
وأما تشبيه المفرد بالمركب فمن ذلك قول بعضهم :
كأن السّهى انسان عين غريقة |
|
من الدّمع يبدو كلما ذرفت ذرفا |
وأما الثامن : في ذكر ما يحسن به موقع التشبيه .. قال أئمة هذا الشأن : ان كثرة التقييدات يعظم بها حسن موقع التشبيه وتكون أدخل في التشبيه من غيرها لأنها عقلية. مثال ذلك قوله تعالى : ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ) إلى قوله : ( كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) وهذه فيها عشر جمل قيد بعضها ببعض حتى صارت جملة واحدة ، وهي مع ذلك لا يمتنع أن تكون صور الجمل معناها حاصلا يمكن أن يشار