نفسه وصفة غيره ثم يشبههما بشيء آخر كقول الشاعر :
صدغ الحبيب وحالي |
|
كلاهما كاللّيالي |
وقد وقع تشبيه الشيئين بالشيء الواحد ، وانما جاز ذلك لأنه لا يخلو الشيئان في تشبيه أحدهما بالآخر من ثلاثة أقسام : إما تشبيه معنى بمعنى ، وإما تشبيه معنى بصورة ، وإما تشبيه صورة بصورة ، وكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة لا يخلو من ثلاثة أقسام : إما تشبيه مفرد بمفرد .. وإما تشبيه مركب بمركب. وإما تشبيه مفرد بمركب. فأما تشبيه المفرد بالمفرد فكقول البحتري :
تبسم وقطوب في ندى ووغى |
|
كالغيث والبرق تحت العارض البرد |
ومنه قوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ) الآية. وأما تشبيه المركب بالمركب فقوله تعالى : ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ) الى قوله : ( كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) الآية. فشبه حال الدنيا في سرعة زوالها وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض وذلك تشبيه معنى بصورة وهو أبدع ما يجيء في هذا القسم. ومثله في حق المنافقين : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ. لا يُبْصِرُونَ ) تقديره أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة بمفازة فاستضاء بها ما حوله ، واتقى ما يخاف وأمن فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيرا ، وكذلك المنافق إذا أظهر كلمة الايمان استنار بها واعتز بعزها وأمن على نفسه وماله وولده ، فإذا مات عاد إلى الخوف وبقي في العذاب والنقمة.