والحاصل : أنّ هذا الذي يتسامحون فيه هو التصرّف العبوري السريع ، سواء كان لأجل المسامحة أو لأجل أنّه لا يعدّ تصرّفا في نظرهم ، أمّا لو جلس في ذلك الطريق المبلّط مدّة طويلة وجعل له فيه دكّانا ، بل لو صلّى فيه ، كلّ ذلك غير داخل في العبور المذكور ، بل إنّ العبور الذي تسامحوا فيه هو مثل عبور الطيارة السريعة فلعلّه لا يشمل المشي المتعارف في الطرقات
قوله في الحاشية : وهذا بخلاف الحكم الوضعي ، فإنّه يتبع ما في نفسه من الملاك المقتضي لجعله ... الخ (١).
ليست المقابلة بين جعل هذا الحكم الوضعي وبين جعل الأمر والنهي ، وإنّما المقابلة بين نفس الحكم الوضعي المجعول وبين متعلّق الأمر والنهي ، فكما أنّ متعلّق الأمر لا بدّ أن يكون ذا مصلحة ومتعلّق النهي لا بدّ أن يكون ذا مفسدة ، والفعل الواحد في الزمان الواحد لا يعقل أن يكون مشتملا على كلا الملاكين وإن كان زمان الأمر والنهي مختلفا ، فكذلك نفس الحكم الوضعي المجعول الذي هو الملكية مع وحدة المملوك ووحدة زمان الملكية لا يعقل أن يكون مشتملا على ملاك يقتضي جعله وعلى ملاك يقتضي نفيه.
وإن أردت تمام المقايسة بينهما فاجعل المقيس في مسألة البيع هو العقد نفسه وقل إنّه حكم عليه بحكمين متناقضين وهما الصحّة والفساد ، وبعبارة أخرى هما النفوذ وعدمه مع كون زمانه واحدا وإن كان زمان الجعل مختلفا ، فتأمّل.
وكما يمكن أن يجاب عن التنافي هنا بأنّه قبل الاجازة لا يكون مقتضي الجعل موجودا فيحكم بنفيها وبعد تحقّق الاجازة ينوجد مقتضي جعل الملكية ،
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٨٩.